نحو إنشاءات صفرية الانبعاثات الكربونية
نحو إنشاءات صفرية الانبعاثات الكربونية
بقلم: دكتور مهندس مستشار مالك علي دنقلا
توصيات مهمة
في ختام هذه السلسلة من المقالات نورد بعض التوصيات التي تحقق الهدف المنشود.
يعد الانتقال إلى مبانٍ صافي انبعاثاتها الكربونية صفر أحد أكبر التحديات التي تواجهها البشرية، فالحد من هذه الانبعاثات والقضاء عليها في نهاية المطاف، من خلال تقليل متطلبات المواد، لا سيما المواد كثيفة الكربون، وزيادة كفاءة الطاقة والحرارة للأصول المبنية، وتحسين مستويات إعادة الاستخدام وإعادة التدوير أمر بالغ الأهمية لتحقيق هدف عام 2050م، خاصة وأن الوعي العام عالمياً بشأن خطر التغيرات المناخية آخذ في الازدياد.
ولعل ما أعلنته بعض الدول الكبرى من أهداف طموحة لخفض انبعاثات الكربون بحلول عام 2030م يصب في إمكانية تحقيق المستهدف الذي حددته الأمم المتحدة بوصول العالم إلى معدلات (صفر-كربون) في غضون نحو ثلاثة عقود، ما يعني تحسين الصحة وإفادة المجتمع، حيث سيكون لجهود الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري خفض انبعاثات الوقود الأحفوري المسؤولة عن تلوث الهواء، وقتل الملايين كل عام، فضلًا عن بناء اقتصادات أكثر تنافسية، وزيادة الوظائف عالية الجودة، ومعالجة المشكلات الاجتماعية.
وللوصول إلى هذا الهدف لا يزال يتعين على معظم البلدان تقديم مساهماتها المحددة في مجال إنشاء المباني صفرية الكربون من خلال للحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات الحكومية الدولية لزيادة العمل نحو قطاع مبانٍ وتشييد خالٍ من الانبعاثات، ويتمتع بكفاءة ومرونة، ولعل من أهم التوصيات التي تحقق هذا الهدف العالمي هو القيام بالإجراءات التالية:
1) يجب على الحكومات الوطنية تكثيف التزاماتها في المساهمات المحددة وطنيًا، والاستراتيجيات المناخية طويلة المدى، وهذا يعني إعطاء الأولوية لقوانين الطاقة المستخدمة في البناء الإلزامية القائمة على الأداء.
2) الدعوة إلى البناء الأخضر والمساهمات المحددة وطنيًا المحدثة، بضرورة استخدام الملاك والشركات لأهداف قائمة على العلم لتوجيه الإجراءات والتفاعل مع أصحاب المصلحة في مجال تصميم المباني والبناء والتشغيل والمستخدمين لتطوير الشراكات وبناء القدرات.
3) يجب على المستثمرين إعادة تقييم جميع الاستثمارات العقارية من خلال كفاءة استخدام الطاقة وخفض انبعاثات الكربون.
4) تشييد جميع المباني باستخدام أسمنت منخفض الكربون، إضافة إلى الألمنيوم المعاد تدويره، حيث تبلغ نسبته 90 % من الألمنيوم المستخدم، وجميعها مصممة للحد من استهلاك الطاقة والمياه بنسبة تبلغ 40% على الأقل مقارنة مع استهلاك المباني العادية.
5) مراعاة معايير (نظام الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة (LEED والمعايير الأساسية لنظام التقييم المستخدمة لتصنيف أداء استدامة المباني ضمن برنامج (استدامة).
6) يُتاح لقطاع البناء والإنشاء فُرصًا كبيرة على كل من المدى الطويل والقصير للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، من خلال اختيار مواد وتصاميم ذات تأثير منخفض على البيئة والمناخ، وتعد زيادة استخدام المنتجات الخشبية في المباني ومشاريع البناء جزءًا من الحل.
7) يجب خفض استخدام الطاقة في المبنى إلى النقطة التي يمكن فيها توليد كل هذه الطاقة في الموقع باستخدام مصادر خالية من الكربون، مثل الألواح الشمسية أو توربينات الرياح.
8) النظر في الحد من الكربون في أقرب وقت ممكن ضمن عملية التصميم سوف يقلل من التكلفة، ويؤدي إلى تكامل أفضل في التصميم، وبالتالي تجنب الحاجة إلى التعديل التحديثي في المستقبل، وإزالة أخطار اضطراب الشاغلين في المستقبل وانبعاثات الكربون.
9) على الحكومات مسؤولية إظهار التزامها بتحقيق صافي (صفر-كربون)، وقيادة الطريق في إظهار كيف يمكن القيام بذلك (كانت المملكة المتحدة أول اقتصاد متقدم يلتزم بالوصول إلى صافي انبعاثات غازات الدفيئة إلى الصفر بحلول عام 2050م).
10) استكشاف النهج البديلة لتحقيق النتيجة المرجوة من خلال تحسين عملية الأصول وإدارتها لتقليل الاحتياج إلى البناء الجديد.
11) احتضان تقنيات البناء الحديثة، والقضاء على النفايات وقياس آثار الكربون المجسدة من مراحل المنتج والبناء وتعويضها عند الانتهاء العملي.
12) الكشف الإلزامي لتصنيفات أداء الطاقة التشغيلية بالنسبة لجميع المباني التجارية.
13) يتطلب القبول الواسع لتقنية بناء (الطاقة-صفر) مزيدًا من الحوافز الحكومية أو قوانين قواعد البناء، أو تطوير معايير معترف بها، أو زيادات كبيرة في تكلفة الطاقة التقليدية.
14) المسؤولية في مجال تحقيق نحو (صفر-كربون) موزعة على جهات متعددة، من خلال تقديم برنامج دعم مادي، وتصميم مباني (صفر-كربون) محافظة على البيئة، وتقديم أفكار تصميمية على مستوى تخطيط الأحياء، ومتابعة التطور السكاني والعقاري، وتطوير كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة.
15) تعتمد سياسات تحقيق استراتيجية نحو (صفر-كربون) على الإعلام، وتقديم المشورة، والأدوات القانونية، والأدوات البحثية، وتطوير ونشر واستخدام التطبيقات الإلكترونية المساعدة على رفع كفاءة الطاقة في المباني.
16) يعد اعتماد تقنيات التصنيع الرقمية والتصنيع خارج الموقع في تنفيذ المشاريع والبرامج أمرًا ضروريًا لتحسين نتائج الكربون والاستدامة، ويجب على السلطات المتعاقدة أن تسعى لاستخدامها في تنفيذ مشاريعها وبرامجها.
17) يجب أن تعمل السلطات المتعاقدة مع سلاسل التوريد الخاصة بها على زيادة الوعي بأهداف إزالة الكربون المشتركة وكيفية تحقيقها، وتقديم عددًا من الدورات التدريبية المجانية لمساعدة المشترين على زيادة فهمهم لإزالة الكربون في سلسلة التوريد وقدرتهم على التأثير فيه.
18) تبني تصميمات محسّنة تتطلب مواد أقل، ويتم إنتاجها لدعم مستويات أعلى من إعادة الاستخدام وإعادة التدوير؛ و التصاميم التي توفر أداءً محسنًا للطاقة والحرارة، والتي تسمح باستخدام منتجات ومواد جديدة وأكثر استدامة.
19) التنفيذ الدقيق للمباني لتحقيق مواصفات (صفر-كربون) وتقليل المخلفات المادية والانبعاثات المرتبطة بعمليات البناء.
20) المراقبة الدقيقة والتقدير الكمي والإبلاغ عن انبعاثات الكربون، ومقارنة المشاريع والبرامج، وتحديد أفضل الممارسات ودعم تحسين الأداء.
21) تبني مبدأ المنع، بما يعني أن سياسة الحكومة يجب أن تهدف إلى منع الضرر البيئي، مثل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أو التلوث أو فقدان التنوع البيولوجي، حيث يجب أن تمنع خيارات تصميم المباني الضرر البيئي إما قبل حدوثه أو لاحتواء الضرر الحالي.
22) تقييم سياسة الحكومة فيما يتعلق بصافي الكربون والاستدامة، حيث من الأهمية أن تتضمن المشاريع والبرامج نهجًا واضحًا وشاملًا لتخفيف الكربون وتحسين نتائج الاستدامة عبر دورة حياة المبني، بما يتوافق مع الأهداف والعقارات التنظيمية الأوسع.
23) يجب تبني نهج (صفر-كربون) في المباني من خلال مشاركة كل أطراف عملية البناء، بما في ذلك المقاولون الرئيسيون والمقاولون من الباطن والاستشاريون وموردو المنتجات والمواد.
24) يجب أن يكون لدي جميع السلطات المتعاقدة استراتيجيات مطبقة لتحقيق صافي صفري للكربون عبر محفظتها من العقارات و / أو أصول البنية التحتية، وهذا يتطلب من الحكومة تطوير خطط إزالة الكربون المتعلقة بالبناء والانبعاثات التشغيلية وتطوير دراسات الجدوى.
25) اعتماد تصميم لمنهج الأداء، للتحول بعيدًا عن نهج (البناء النظري)، والتركيز على كيفية بناء المباني كثيفة الطاقة عمليًا، جنبًا إلى جنب مع عوامل التمكين الرئيسية الأخرى.
26) يجب العمل بقياسات الكربون مدى الحياة، وبالحدود المتفق عليها، من خلال البدء بالقياس الإلزامي، يليه التقديم التدريجي لحدود الكربون المضمنة للمباني الجديدة لتقليل الطلب، جنبًا إلى جنب مع التغييرات في التخطيط، وضريبة القيمة المضافة لتحفيز إعادة استخدام المباني القائمة.
27) الاستثمار في البنية التحتية الوطنية على أساس الأثر الصافي للانبعاثات،، جنبًا إلى جنب مع إطار السياسة والاستثمار لدفع عملية إزالة الكربون الصناعية للبناء الرئيسي.
28) وضع الحكومة للاشتراطات اللازمة لبناء مباني محافظة على البيئة، وإلا فلا يصبح المبنى مصرحاً باستخدامه إلا بعد استيفائه لهذه المتطلبات.
29) تشجيع الحكومة شركات الاستثمار العقارية على بناء مبانٍ من مواد البناء المحمية، وايجاد البدائل التي تحل محل مواد البناء عالية الكربون.
30) تنفيذ معايير تصميم العمارة الخضراء في المباني العامة والحكومية، واستغلال تكنولوجيا البناء في تصميم مباني خضراء من حيث نظم تشغيل المبنى وتقليل استهلاك الطاقة، لدعم الانتقال إلى صفر الكربون.
31) توجيه المستثمرين إلى توفير وسائل الطاقة المتجددة مثل خلايا الطاقة الشمسية فهي عنصر يحتاج إليه المجتمع في الفترة المقبلة.
32) سن القوانين والتشريعات بمعاقبة أي ممن يقوم بإنشاء مبان ضارة بالبيئة أو ذات استهلاك زائد للطاقة غير المتجددة.
33) تبني الشكل الحضري الذكي والتنمية المكانية، حيث تحتاج المدن منخفضة الكربون إلى شكل حضري محكم ومتكامل مع تنمية مكانية ذكية، ويمكن للإصلاحات في تخطيط استخدام الأراضي والأطر المالية البلدية والتغييرات في التنمية المكانية تعزيز النمو منخفض الكربون.
34) التعامل مع الاهتمامات المحلية المتعلقة بتلوث الهواء وأمن الطاقة وكفاءة الطاقة، بما يتماشى أيضًا مع النمو منخفض الكربون، حيث لا تؤدي كفاءة الطاقة المحسنة إلى صناعة أقل كربون فحسب، بل إلى صناعة أكثر تنافسية.
35) تقليل النفايات والحد منها وإعادة تدويرها، ويمكن أن تؤدي طرق التخلص الحديثة إلى خفض انبعاثات الكربون في أنظمة النفايات الصلبة بالنسبة لشبكات المياه والصرف الصحي في المناطق الحضرية، حيث إن الحلول الشاملة لإدارة الطلب وتطوير أنظمة متكاملة للنفايات وحماية مياه الأمطار ونظم إدارة الفيضانات، تتصدى لانبعاثات الكربون.
36) يجب أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي في المستقبل مدفوعًا بالخدمات والصناعات منخفضة الكربون، وكلاهما أمر مهم للحد من كثافة الكربون في العديد من المدن في العالم.
37) تشجيع المباني على استهداف صافي (صفر-كربون) في البناء (المباني الجديدة والتجديدات الرئيسية) ، وللطاقة التشغيلية (المباني القائمة)، حتى يتم تحقيق تأثير أكبر مع تأثيرات الكربون في الحياة الكاملة.
38) تقليل الطلب العام على الطاقة اللازمة لتشغيل المبنى، بحيث تشمل التحسينات تصميماً فعالاً لتقليل الطلب على التدفئة والتبريد، والضوء الطبيعي للحد من الطلب الاصطناعي، والتهوية الطبيعية للحد من الطلب على التكييفات، حيث يجب على المبنى الذي يزعم أنه (صفر-كربون) للطاقة أن يظهر مستوى عالياً من كفاءة استخدام الطاقة.
39) يجب أن يكون هناك دور واضح لصانعي السياسة الوطنية والمحلية في استخدام السياسات لزيادة الطلب على مباني الكربون الصافي.
40) التركيز بشكل رئيسي على تحسين قياس وتخفيف الكربون المجسد، وأن تكون هناك اهتمامات بمزيد من اللوائح والحوافز التي تستهدف الانتقال إلى بيئة صافية الكربون.
41) تُعد الإجراءات الرامية إلى تحسين المباني القائمة من بين أكثر الوسائل فعالية من حيث التكلفة للحد من الانبعاثات العالمية، حيث تقدر خارطة الطريق صافي الصفر للكربون للحياة الكاملة أن 80٪ من المباني القائمة ستظل قيد الاستخدام في عام 2050م.
42) إلى جانب السياسات واللوائح، من المهم أيضاً أن يكون هناك أدوار واضحة للحكومات المركزية والمحلية في استخدام المشتريات العامة لتشجيع مباني (صفر-كربون)، ودمج هذه المبادئ في المناقصات والموجزات للمباني العامة أو التطورات العامة على الأراضي المملوكة للجمهور.
43) يجب على الاستشاريين تقديم نهج مبتكر للحد من آثار الكربون سواء في عملية البناء أو الطاقة المستخدمة، وتقديم حلول للحد من التأثيرات المترتبة على عملية البناء، والتحقق من الادوات والمواد المستخدمة، كما يجب أن يلتزم النهج بتدابير واضحة لتخفيض الكربون في كل مرحلة من مراحل تنفيذ وإدارة المشروع.
44) يجب تعيين مقاولي أنشطة التوريد وشركات الإعمار في وقت مبكر خلال مرحلة ما قبل البناء من المشروع على أساس أنظمة تعاقدية واضحة تعمل مع العميل والاستشاريين في تطوير وتوصيل مقترحات (صفر-كربون) قابلة للتطبيق، وبأسعار معقولة بما يتماشى مع أسعار العميل المعلنة والميزانية المعلنة والميزانية كشرط مسبق لبدء مرحلة البناء.
45) يجب البحث عن حلول الكربون الصافي من خلال الابتكارات واختيار الكفاءات التي سيتم تطويرها ودمجها ليس فقط في عمل مستشاري التصميم ولكن أيضا في عمل المقاولين والمقاولين من الباطن والمصنعين والمشغلين، حيث يجب أن يتشارك الجميع في حلول مبتكرة من البداية من خلال المشاركة المبكرة.
46) ينبغي النظر في الإجراءات القائمة على الأبحاث والابتكار، ويجب علي السلطات المتعاقدة أن تشترط ان تكون الحلول التي طرحها الموردين المحتملين مصحوبة بتقييم يعكس طرق التقليل من انبعاثات غازات الكربون.
47) يجب تحديد المعيار الذي يمكن مصنعي منتجات البناء إثبات أن منتجاتهم قد تم إنتاجها بمواد من مصادر منخفضة انبعاثات الكربون من أجل توفير إطار لإدارة سلسلة التوريد والإدارة البيئية والاجتماعية، يمكن استخدامها من قبل الشركة المصنعة لأي منتج بناء مثل الأسمنت أو الصلب أو الأخشاب والبلاستيك أو السيراميك، مع تقديم شهادة لتلبية المعيار من قبل هيئات مستقلة.
48) من الأمور الحاسمة أيضاً للحد من انبعاثات قطاع المباني والإنشاءات قيام الحكومات بالتخطيط المسبق من أجل مستقبل خال من الانبعاثات؛ من خلال توجيه السياسات المناسبة، وتركيز جهودها نحو أنشطة الاستثمار في البناء منخفض الكربون والخالي من الكربون، من خلال الحوافز المالية وغير المالية، وحشد جهود الجامعات والكليات في جميع أنحاء العالم بهدف الوصول لحياة صحية وخالية من الكربون، ومواصلة رفع الاستثمارات في كفاءة استخدام الطاقة في المباني بمستويات غير مسبوقة، حيث ارتفعت بنسبة 16% في عام 2021م، مقارنة بمستويات عام 2020م لتصل إلى 237 مليار دولار.
49) وهناك أيضاً العديد من الإجراءات الأخرى التي يمكن أن تقوم بها الحكومات وتساعد على الوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر:
– القيام بإجراءات واسعة لخفض الانبعاثات الكربونية من خلال تحولات أساسية في أنظمة للطاقة والتنمية الحضرية والصناعية والغذائية.
– التعويض عن أي انبعاثات متبقية عن طريق حلول مستمدة من الطبيعة مثل إعادة التشجير و/أو الحلول المعززة مثل حبس الكربون وتخزينه.
– توخِّي أهداف قصيرة ومتوسطة الأجل (بالإضافة إلى أهداف 2030 و2050م) للمساعدة على تحديد تحويلات قطاعية وتكنولوجية مٌعيَّنة وترتيب أولويتها، والتحفيز على اتخاذ إجراءات واستثمارات فورية.
– مساندة إستراتيجيات منصفة اجتماعياً للوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر، والتحولات منخفضة الانبعاثات الكربونية في جميع المناطق سواء قامت بتنفيذها الحكومة أم الشركات.