تقييم الأثر البيئي للمشاريع الإنشائية
تقييم الأثر البيئي للمشاريع الإنشائية
د. مهندس مستشار/ مالك علي محمد دنقلا
مراحل تقييم الأثر البيئي
العوامل المؤثرة
سردت في المقالات الأربع السابقة الأهمية البالغة لعمليات الأثر البيئي للمشاريع الانشائية و مراحل تقييم الأثر البيئي لهذه المشاريع و غالبا ما تكتنف عملية تقييم الأثر البيئي للمشاريع الإنشائية التي تقوم بها المكاتب الاستشارية، وبيوت الخبرة عدة عوامل مؤثرة لابد من التطرق اليها، ومن أهم هذه العوامل في مرحلة التشييد هو:
العامل الأول: الصحة والسلامة المهنية حيث تتمثل آثاره علي الإصابات المتعلقة برفع الأحمال الثقيلة، وعدم الراحة، والمشاكل الصحية المتعلقة بالانزلاق، والوقوع، والإصابات، والمشاكل المرتبطة بالعمل في المرتفعات، والإصابات الناجمة عن الأجسام المختلفة في موقع العمل، والمشاكل والحوادث الناجمة عن الآليات المتحركة، والمشاكل المرتبطة بالأجزاء الكهربائية، والمشاكل التنفسية المرتبطة بعدم إدارة المواد الخطرة، والمرتبطة بالعمل في المناطق المحصورة، والإدارة غير السليمة للمواد الصلبة، والسائلة الخطرة، والمشاكل العامة المرتبطة بانتشار الأمراض السارية، والأمراض المنقولة، والمشاكل المرتبطة بسبب الدخول غير المصرح به إلى مواقع العمل، و السلامة المرورية.
العامل الثاني: إدارة المخلفات وتتمثل آثاره في الإدارة غير السليمة للنفايات الصلبة، والإدارة غير السليمة للمياه العادمة المنزلية، وتعرية التربة وانجراف الرواسب.
العامل الثالث: البيئة الإحيائية و تتمثل اثارها في تغيير/ تهديد الانواع الإحيائية.
العامل الرابع: الموروث الثقافي واكتشاف الآثار بطريق الصدفة وتتمثل آثاره في التدمير المحتمل للمكتشفات ذات الأهمية الثقافية/ التاريخية.
العامل الخامس: الآثار الاجتماعية الاقتصادية و تتمثل آثاره في الفقدان المؤقت لسبل العيش، والتشويش على الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية.
عملية تقييم التأثيرات البيئية
تقييم التأثيرات البيئية ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار النتائج المباشرة أو غير المباشرة، القصيرة أو الطويلة الأمد، الدائمة أو المؤقتة، الفرادى أو التراكمي.
وعامة فإن تقييم التأثيرات البيئية ينبغي أن تأخذ العوامل التالية، بما فيها الارتباط بينهم:
البشر، والحيوانات والنباتات.
التربة، والماء، والهواء، والعوامل المناخية، والمناظر الطبيعية.
الملكية، والتراث الثقافي.
معلومات تقنية، علمية، هيكل وأداء للبيئة.
بيانات عن الميزات الاقتصادية، والتكنولوجية للمشاريع.
التنبؤ عن سلوك البيئة، والتفاعل بين المشروع والعناصر البيئية.
الإجراءات التقنية، والإدارية.
مشاركة السكان المختصين في صنع القرار.
موجز ومقارنة بين تكلفة المشروع، تأثيراته، فوائده المباشرة، وغير المباشرة.
ومن الواضح أنه في عملية تقييم التأثيرات البيئية فإن مقارنة القيمة الاقتصادية لمشروع معين مع الضرر الذي ينتج عنه، هي مسألة حساسة للغاية، على سبيل المثال، في تقييم التأثيرات البيئية لنشاط ملوث للغاية، ينبغي ان يُعطى قيمة اقتصادية لفرص العمل ومقارنتها مع القيمة التي تُعطى لمكافحة زيادة الأمراض الناتجة من ذلك التلوث.
ومما سبق يتضح أن عملية تقييم الأثر البيئي لا تقف عند حد اتخاذ القرار وحسب، ولكن تتعدى ذلك إلى مراحل تنفيذ المشروعات المقترحة لتجنب أو تقليل أية آثار عكسية وسلبية، حيث يمكن تطبيق ذلك عن طريق تطبيق معايير تخفيف ومراقبة محددة ومناسبة، كما تعتبر عملية تقييم الأثر البيئي مثالية إذا تم تطبيق هذه العملية على جميع المشروعات التي من المتوقع أن يكون لها آثاراً بيئية سلبية أو عكسية هامة وواضحة، وفى هذه الحالة تحدد هذه الآثار تحديداً جيداً وكاملاً، ومقارنة كل البدائل الممكنة وتقنيات الإدارة المختلفة ومعايير التخفيف للمشروع المقترح.
ويعد تقديم تقريراً مفصلاً وواضحاً عن تقييم الأثر البيئي سوف يبين مدى أهمية الآثار المتوقع حدوثها عند تنفيذ المشروع، ووصف هذه الآثار وصفاً محدداً يسهل تفهمه والاستفادة منه على جميع مستويات الخبرة المختلفة، ثم تضمين المشاركة العامة لكل من المهتمين والمعنيين في مراحل عملية تقييم الأثر البيئي، وأيضا تضمين إجراءات المراجعة الإدارية الصارمة على هذه المراحل في الوقت المحدد واللازم لكى تكون ذات منفعة وفائدة في اتخاذ القرار.
تطور تقييم مشروعات من المنظور الفني الى البيئي
يتبين من استعراض الوضع البيئي من أن هناك العديد من المشاكل البيئية والتي في الأصل هي ناتجة عن عدم الاعتماد على سياسة التقييم البيئي. من ذلك مثلا، التدهور الكبير في الموارد الطبيعية، كما هو الحال في استمرار عمليات التصحر والتملح، ونقص موارد المياه مما يساهم في انخفاض الإنتاجية، والفقر، والبطالة، والنزوح الريفي إلى المدن، كذلك فان تدهور نوعية الموارد المتجددة ونقص الموارد غير المتجددة يحدان من إمكانية التنمية الطويلة الآجل (للأجيال القادمة)، بالإضافة لما يسببانه من ارتفاع في الأسعار في الوقت الحاضر، يضاف إلى ذلك ما سيترتب عليه إهمال البيئة من مشاكل تلوث والتي لابد من معالجتها ولو بعد حين، وهذا سيزيد من الأعباء المالية على الاقتصاد.
وكما هو معروف، فان التنمية الاقتصادية تتضمن تغير بيئي، وهذا سيؤثر على التكاليف الحالية والآجلة ولهذا فان الخاسرين والمستفيدين من الأجيال الحالية والمستقبلية يمثلون مصالح متضاربة، ومن هنا جاء المبدأ الذي يعني أن التنمية المستدامة هي حلول منطقية للتعايش بين الأجيال الحالية والمستقبلية، وهذا هو جوهر التنمية المستدامة.
تطور عملية تقييم الأثر البيئي
يمكن تقسيم مراحل تطور عملية تقييم الأثر البيئي إلى أربعة مراحل:
1 -مرحلة البدايات: وهي اكتشاف أخطار المشاريع على البيئة المحيطة والتي أدت إلى وضع سياسات، وقوانين، وأسس لتقييم الأثر البيئي، وكان ذلك في الولايات المتحدة في العـام 1969م حيث توالت عمليات انتشار تقييم الأثر البيئي في دول صناعية أخرى مثـل اسـتراليا، وكنـدا، ونيوزيلاندا حيث تبنت هذه الدول منهجية متميزة لعملية تقييم الأثر البيئي.
2 -مرحلة استخدام تقنيات عالية في عملية تقييم الأثر البيئي مثل تقيـيم المخـاطر، ووضـع خطوط إرشادية في عمليات التنفيذ مثل عملية الفحص، ودراسـة النطـاق، وكـذلك أخـذت التأثيرات الاجتماعية بالاعتبار، وفي بعض الدول الرائدة فـي الموضـوع بـدأت بأخـذ رأي الجماهير (المشاركة الاجتماعية) الأمر الذي أدى إلى الإبداع والتجديد فـي ممارسـة التقيـيم البيئي وكان ذلك في السنوات 1970-1980م.
3 -مرحلة تكامل وتفعيل الخبرة والممارسة في مراجعة تقييم الأثر البيئـي، ممـا أدى إلـى تحديث وتجديد الهياكل العلمية والمؤسساتية، وتنسيق عملية تقييم الأئر، وعمليات أخرى موازية مثل تخطيط استخدام الأرض، والاهتمام بإدخال واستيعاب مستوى التغيرات فـي النظـام البيئي، وكذلك التأثيرات المتراكمة، وإدخال آليات المراقبة، والتدقيق والمتابعة، وقد دخل ذلك في السنوات من 1980م-1990م.
4 -مرحلة التقييم البيئي الاستراتيجي: وهذه المرحلة الأخيرة وحتى هذه اللحظـة أدت إلـى التفكير في الوصول إلى التنمية المستدامة مع إدراج المفاهيم ومعايير الاستمرارية في محاولة تقييم الأثر البيئي، والتقييم البيئي الاستراتيجي.
مكونات تقييم الآثار البيئية
يتضمن إنجاز أو إجراء تقرير تقييم الأثر البيئي عدة خطوات:
1 -التمييز والاختبار: وفيها يتم السؤال عن الحاجة لإجراء تقييم أثر بيئي لهـذا النشاط، وهذا يتطلب إعداد قائمة توضح النشاط بكافة عناصـره مـن حيـث التخطـيط، والإعداد، والمواد المستخدمة ، وكيفية التخلص من المخلفات الناتجة، وكذلك حجم الأثر المترتـب على ذلك، وتحديد الأسس والمواضيع الخاصة التي لها حساسية بيئية، ووضع معايير لفحـص الأثر، كما يلزم قرارات وتشريعات حكومية.
2 -تحديد الأهداف المؤثرة، والشروط المرجعية حيث يتم دراسة المواضع المهمـة المتعلقة بدراسة تقييم الأثر البيئي من حيث التركيز على المكونات البيئية وأهميتهـا وتأثرهـا بالمشروع، وتعتبر البداية بذلك ومفتاح تأكيد وضع الشروط المرجعية لهذه الدراسة.
3 -تحليل الأثر: تحليل ووصف الأثر، وماذا يمكن أن يكون فـي حـال وجود المشروع، وما هو نوع التأثيرات مباشرة وغير مباشرة؟ وهل هذا الاثر تراكمي او يتحد مع مشروعات اخرى؟ أو عابر للحدود وله أبعاد أخرى يتأثر ويؤثر في الناحية الفيزيائيـة، والحيوية، أو من استخدام المصادر الطبيعية، أو من عملية استخدام الأراضي، أو له أي تـأثيرات اجتماعية واقتصادية
4 -تقييم الأثر ويتم بذلك تطويق الحقائق وتقييمها من حيث قوة هذا الأثر، وأهمية قيمته وحقيقته.
5 -البحث عن البدائل : معنى ذلك أن قوة، أو تأثير هذا المشروع في حالة إحداثه أي آثار جانبية ، وما هي البدائل، وما هـي الطرق المناسبة لتنفيذ هذه البدائل، فمثلاً: إذا كان هذا يتعلق بالقطاع العام فما هـي الوسـائل والطرق البديلة للوصول إلى سياسات أو برامج وخطط تتعلق بآلية توصيل الطاقة، وتأثير ذلك على الإسكان، والمواصلات، والطرق البديلة؟ ويتم ذلك من خلال اختيار الموقع حيث يضـطر إلى نقل الموقع إذا لزم الأمر، أو إيجاد مدخل للمواصلات، وآلية جديدة للتكنولوجيا المسـتخدمة في إدارة النفايات أو تجنب الآثار المحتملة.
6 -تجنب الآثار والتعويض: وهي عملية الحد أو التخفيف من التأثيرات أو المؤثرات المهمة، وكيفية التعويض للمؤثرات التي لا يمكن تجنبها علما بأن التعويض يؤدي إلى زيادة التكلفة.
7 -المراقبة والإدارة البيئية: فعملية المراقبة بحد ذاتها تحتاج إلى هدف واضح، وهي أن تكون هذه العمليـة خاضـعة ومطابقـة للشروط والمعايير البيئية، ومسايرة لإدارة ومتطلبات التأثيرات البيئية ، وحتى يتم تجنب الآثـار غير المتوقعة، ويكون ذلك باتباع خطة إدارية تستند الى تقرير تقييم الآثار البيئية والذي يبـين مسؤولية كل من مقدم المشروع والحكومة، ويحتوي هذا التقرير والخطـة علـى السياسـات، والأهداف ،والغايات، وبرنامج مراقبة وتقيـيم طريقـة العمـل، واسـترجاع طريقـة العمـل، واستراتيجيات، وبناء نظم معلومات ونظم ادارية يلزمها تدريب وموازنة وتأكيد الاتصال مـا بين الناس والمجتمع والحكومة.
8- تقييم الدراسات الخاصة بالآثار البيئية : ويتم ذلك من أجل ضمان الدقة بأن جميع المواضيع الهامة المتعلقة بالمشروع ذكرت في الشروط المرجعية وهذا مطلوب من وزارة البيئة، وأن يتم التأكد بأن الطرق المستخدمة في عملية التقييم أو إنجاز المشـروع هـي طرق سليمة وواضحة، وأن يتم مراعاة هذه الطرق في إدارة الخطة البيئية، وأن هذه المعلومات مقبولة ومتجانسة من وجهة نظر بيئية، وهي تلزم أيضا صاحب القرار أو صانعه مشاركة المجتمعية حيث أن المشاريع تخلق تغييراً في المكان، وفي طبيعة حياة المحيطين بها .