قوة المياه البحرية: معركة المغرب ضد الجفاف ودور التحلية في النجاح

0

تواجه المغرب تحديات كبيرة في مجال الموارد المائية نتيجة للتغيرات المناخية، حيث يزداد الجفاف ويتسبب في إجهاد مائي متزايد. استجابةً لهذه التحديات، قرر المغرب رفع سقف جهوده في مجال إنشاء محطات تحلية مياه البحر.

تستمر الجهود المستمرة في المغرب لإقامة محطات تحلية مياه البحر في عدة مدن ساحلية، بهدف مواجهة أزمة الإجهاد المائي التي تواجهها البلاد وتلبية احتياجات المياه للسكان. يأتي هذا الاستثمار في تحلية المياه كخطوة استباقية لضمان توفير مصدر مستدام للمياه في ظل تحديات الجفاف المتزايدة، مما يبرز التزام المغرب بالاستدامة البيئية ورفع كفاءة استغلال موارده المائية.

محطة الكركرات مشروع طموح

تتجه المغرب نحو تحقيق تقدم هام في مجال تأمين المياه، حيث يواجه البلد تحديات كبيرة نتيجة للاجتياح المستمر للجفاف، الذي يعزز أزمة الإجهاد المائي. بهدف مواجهة هذه التحديات، يسعى المغرب إلى إنشاء عشرين محطة لتحلية مياه البحر بحلول عام 2030 في عدة مناطق ساحلية، بهدف التصدي لمشكلة نقص المياه وتوفير مياه صالحة للشرب.

وفي هذا السياق، قام عبد الرحيم الحافظي، المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بإطلاق تشغيل محطة لتحلية مياه البحر في المركز الحدودي الكركرات بإقليم أوسرد. جاء هذا الإجراء احتفالًا بالذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء.

تأتي هذه المحطة كجزء من استراتيجية المكتب الوطني للكهرباء والماء لإطلاق مشاريع هيكلية في جهة الداخلة – وادي الذهب. يبلغ إجمالي تكلفة المشروع 30 مليون درهم مغربي (حوالي 2.9 مليون دولار)، حيث يتم تمويل 26 مليون درهم مغربي (حوالي 2.5 مليون دولار) من قبل وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب، و4 ملايين درهم مغربي (حوالي 3.75 مليون دولار) من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

تهدف هذه المبادرة إلى تحسين ظروف توزيع المياه لسكان المنطقة، وذلك عبر توفير محطة تحلية مياه بقدرة 432 متر مكعب يوميًا، وإنشاء خزان عال بسعة 200 متر مكعب، إضافةً إلى شبكة توزيع تمتد على مسافة 5 كيلومترات. يُتوقع أن يسهم هذا المشروع في توفير مياه عالية الجودة للسكان في المنطقة وتحسين شروط الإمداد المائي.

يشمل المشروع أيضًا مرحلة ثانية تتضمن إنشاء شبكة توزيع مياه، ومن المتوقع أن تنطلق الأعمال بها في عام 2024. يأتي هذا الجهد في إطار جهود المغرب لمواكبة التنمية في الأقاليم الجنوبية وتلبية الاحتياجات المتزايدة للخدمات الأساسية كمياه الشرب والتطهير السائل.

استثمارات مالية ضخمة

تمتد ميزانية الاستثمار الإجمالية للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في مجالات المياه والتطهير السائل منذ عام 1975 حتى عام 2023، وقد بلغت 8.7 مليار درهم. وتتطلع خطط المكتب إلى العام 2027، حيث يعتزم استثمار مبلغ إجمالي يقدر بـ 2.9 مليار درهم في المناطق الجنوبية، خاصة فيما يتعلق بمياه الشرب والتطهير السائل.

في تصريحاته لـ “العين الإخبارية”، أكد عبدالكريم الخويط، أستاذ جامعي وخبير في الهندسة البيئية والمناخ، على فوائد وميزات محطات تحلية مياه البحر والمحيطات من الناحية الهندسية والبيئية. يُظهر الخويط أن هذه المحطات تساعد في توفير إمدادات مائية مستدامة ومتوفرة للسكان في المناطق التي تعاني من نقص المياه العذبة، وتلعب دورًا حيويًا في حل مشكلات الجفاف ونقص المياه في العديد من المناطق.

وفيما يتعلق بالمحطات المتنقلة، يشير الخبير إلى إمكانية استخدامها لنقل المياه إلى المناطق النائية والمدن كفاس ومكناس، ويؤكد على أهمية تخصيص موارد مالية لدعم الأبحاث التي تهدف إلى تطوير هذه المحطات.

كما يبرز الخويط أن مياه البحار والمحيطات تحتوي على نسبة عالية من الملوحة والملوثات، ولكن يتم تصميم محطات تحلية المياه بشكل هندسي لإزالة هذه المواد وتحسين جودة المياه. وبعد المعالجة، يمكن الحصول على مياه صالحة للشرب وتلبي احتياجات الصناعة والزراعة والتنظيف.

مشروع مستدام

من ناحية أخرى، يؤكد الخويط أن محطات التحلية تلعب دورًا كبيرًا في تقليل الضغط على المصادر المائية الطبيعية. يمكن الاعتماد على هذه المحطات لتعزيز قطاعي الزراعة والصناعة في المناطق الساحلية، وذلك بموجب التوجيهات الملكية الأخيرة التي أُعلنت بمناسبة المسيرة الخضراء.

يُشير الأستاذ الجامعي إلى إمكانية استخدام المياه المعالجة من محطات التحلية في الزراعة والصناعة والري. ونتيجة لذلك، يمكن تحقيق توازن في توفير المياه اللازمة للنباتات والحيوانات، فضلاً عن الاحتياجات الصناعية، مما يُسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة للمجتمع.

ويضيف الخبير في المناخ أنه مع التحديات المتزايدة الناجمة عن التغيرات المناخية، تصبح محطات تحلية مياه البحار والمحيطات تقنية هندسية حيوية للتغلب على التحديات المائية وضمان توفير المياه العذبة للاستخدام المستدام في المستقبل.

تشجيع التكنولوجيا

دعا الأستاذ الجامعي إلى ضرورة استمرار الجهود في تحسين تكنولوجيا محطات التحلية وتعزيز جوانب الاستدامة، بهدف تقليل تأثيرها البيئي وتشجيع الابتكار في هذا القطاع. كما أكد على أهمية جعل تكلفة هذه التقنية ميسورة ومستدامة من الناحية المالية والطاقية.

وأشار الأستاذ إلى أن المغرب قد شرع في ورش عمل هامة في هذا السياق، مع التركيز أيضاً على الاستفادة من الطاقات المتجددة لتطوير هذا القطاع. وفي ضوء تقييمه العلمي والهندسي، رأى أن المغرب يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في هذا المجال، ويصبح قدوة للقارة الإفريقية في مجال تحلية المياه، نظرًا للبنية التحتية القوية والجامعات والمعاهد المتاحة. وشدد على ضرورة توجيه الموارد نحو تطوير هذا القطاع.

من جهته، أكد الدكتور حكيم الفيلالي، خبير في قضايا الماء والبيئة، أن المغرب استجاب للإجهاد المائي الذي يعاني منه في السنوات الأخيرة من خلال استثمارات لتلبية احتياجاته المائية، وذلك تنفيذًا لتوجيهات العاهل الملكي بتعزيز تنمية العرض المائي. وشدد الفيلالي على أن محطة تحلية مياه البحر في الكراكرات تأتي ضمن مشاريع تعزيز أمان المياه وتنويع إمداداتها.

وأضاف الخبير البيئي أن هذا المشروع يعتبر مستدامًا، حيث يهدف إلى تلبية احتياجات المياه، خاصة في منطقة جافة مثل الكراكرات.

الإجهاد المائي

يتواجه 13 دولة عربية، بدايةً من المغرب، بتحدي شح المياه، وقد بدأ المغرب في بناء أول محطة لتحلية مياه البحر في بوجدور عام 1977. وحاليًا يوجد في المملكة 12 محطة، تنتج 9 منها مياه صالحة للشرب بسعة إنتاج تقدر بنحو 85 مليون متر مكعب سنويًا، فيما تنتج 3 محطات أخرى مياهًا للاستخدام الزراعي والصناعي.

إجمالاً، يصل الإنتاج السنوي لمحطات تحلية مياه البحر في المغرب إلى 177 مليون متر مكعب. وقد استثمر المكتب الشريف للفوسفاط، أكبر مؤسسة في المغرب، مبلغ 16 مليار دولار في إنتاج الأمونيا الخضراء اعتبارًا من 2026 بكمية تصل إلى مليون طن سنويًا، مما يعزز الحاجة لتحلية المياه لتلبية احتياجات الشرب والزراعة، بالإضافة إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر كطاقة مستدامة للمستقبل.

من بين المشاريع الرائدة في هذا السياق هو مشروع تحلية مياه البحر للاستعمال الزراعي في الداخلة، والذي يعد مبتكرًا باعتباره يعتمد على منهجية متكاملة (ماء-طاقة-تغذية). يهدف المشروع إلى إنتاج المياه باستخدام الطاقة الريحية المتجددة، بقدرة تصل إلى 30 مليون متر مكعب سنويًا. يسهم هذا المشروع الرائد في توسيع المساحة المخصصة للزراعات ذات القيمة المضافة، ويعزز فرص العمل، ويساهم في زيادة إنتاج الخضروات المحمية والمحافظة على الموارد المائية في المنطقة. يستفيد المشروع أيضًا من الطاقة الخضراء من خلال إنشاء حقل رياح بقدرة 40 ميغاوات.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x