نجاح اقتصاد روسيا في مواجهة التحديات الاقتصادية
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عزمه خوض الانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2024، حيث أكد أن “الأسوأ قد ولى” بالنسبة للاقتصاد الروسي، وذلك في ظل تساؤلات تثار حول مدى صحة هذا الاستنتاج
نجاح اقتصاد روسيا في مواجهة التحديات الاقتصادية.
بعد نحو عامين من اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، يبدو أن الاقتصاد الروسي يظهر صلابة مفاجئة أمام ضغط طوفان العقوبات الغربية. وعلى الرغم من تقارير تشير إلى تحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية، يظل هناك تساؤلات حول مدى استدامة هذا التحسن في ظل استمرار التوترات الدولية.
وفي سياق متصل، يعتبر خبراء اقتصاديون أن اقتصاد روسيا قد يكون بدأ يظهر علامات إنهاك في زمن الحرب، مما يثير مخاوف حول مستقبل الاقتصاد الروسي في ظل استمرار التحديات الجيوسياسية والاقتصادية.
من جهة أخرى، يعبر قادة غربيون عن أملهم في أن تؤثر العقوبات الاقتصادية على روسيا في المستقبل، حيث يقول مصدر دبلوماسي فرنسي إنه يأمل في أن “تبدأ مفعول العقوبات الاقتصادية بالظهور في الفترة ما بين أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025”.
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، أشار مصدر دبلوماسي أوروبي إلى أن العقوبات “أشبه بثقب صغير في الإطار، تأثيره ليس فوريًا لكنه يفعل فعله”. يترقب العالم بحذر مستجدات الوضع الاقتصادي في روسيا وكيف ستتأثر البلاد في المستقبل القريب.
وفي تصريحات حصرية لآغات دوماريه، المختصة في قسم البحوث والاستشراف في مجموعة “ذي إيكونوميست”، أكدت أن سلسلة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا ليست مجرد سباق سرعة ولكنها ماراثون طويل الأمد.
وأوضحت دوماريه أن الهدف الرئيسي من هذه العقوبات ليس إطلاق شرارة انهيار الاقتصاد الروسي، بل هو تقليل قدرات آلة الحرب الروسية. شددت على أن الهدف الرئيسي للعقوبات هو الحد من قدرة روسيا على التوريدات العسكرية وتحفيز التغيير في السلوك الروسي في المستوى الدولي.
منذ بداية الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، فرض الاتحاد الأوروبي 11 حزمة من العقوبات على روسيا، ومن بينها عقوبات على صادرات النفط والغاز. وفي تطور جديد، أشارت دوماريه إلى أن الحزمة الثانية عشرة قيد الإعداد حاليا، وتشمل حظر استيراد الألماس الروسي.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الإجراءات تأتي في سياق محاولات المجتمع الدولي للتصدي لتصاعد التوترات الجيوسياسية، دون الدخول في مواجهة تؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل عام.
أظهرت بيانات رسمية أن العقوبات الدولية ألحقت ضررًا بنسبة 49 في المائة من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى روسيا، وبنسبة 58 في المائة من واردات روسيا، مما يجعل روسيا البلد الأكثر استهدافًا بالعقوبات في العالم. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الأمر لم يؤدي إلى تدمير اقتصاد روسيا بالكامل، بل ألحق به ضررًا جزئيًا.
وفي ظل هذا السياق، يشير مراقبون إلى أن الأزمات الاقتصادية السابقة وخاصة حزمة العقوبات الأولى التي فُرضت بسبب ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014، ساهمت في تعزيز مرونة الفريق الاقتصادي للرئيس بوتين في التعامل مع التحديات بشكل أفضل.
– “عوارض إنهاك”
كشفت مصادر داخلية في الكرملين عن نية روسيا زيادة الإنفاق العسكري بنسبة تصل إلى 70 في المائة في العام 2024، مما أثار مخاوف بشأن استعداد موسكو لمواصلة حرب طويلة الأمد في أوكرانيا.
في تصريحات أكد فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكتوبر الماضي أن روسيا تجاوزت التحديات الناجمة عن العقوبات الدولية، وبدأت في مرحلة جديدة من التنمية. وفي هذا السياق، يعزز الكرملين خطته لزيادة الإنفاق العسكري، وسط تصاعد التوترات في المنطقة.
وفقًا لإحصائيات رسمية روسية، سجل الناتج المحلي الإجمالي نموًا بنسبة 5.5 في المائة في الربع الثالث من العام الحالي، مما أظهر تحسنًا اقتصاديًا. ومع ذلك، حذرت الباحثة المشاركة في “مركز كارنيغي روسيا وأوراسيا”، ألكسندرا بروكوبنكو، من أن أداء الاقتصاد يمكن أن يكون مضللًا.
وفي تصريحات لوكالة فرانس برس، أشارت بروكوبنكو إلى أن “كلها مؤشرات إلى الإنهاك، فثلث النمو مدفوع بالإنفاق العسكري”، مؤكدة على حالة الاعتماد الاقتصادي على الأموال التي يتم تخصيصها للقوات العسكرية.
وفيما يتسارع الكرملين نحو زيادة الإنفاق العسكري، يتساءل المحللون عن الأثر الاقتصادي لهذه الخطوة وإمكانية تعزيز الاقتصاد الروسي بشكل مستدام.
وأن روسيا قامت بإنشاء بنية تحتية مالية موازية، بهدف تخفيف آثار العقوبات المفروضة على صادراتها النفطية. وفقًا للخبراء، تمثل هذه الخطوة استراتيجية لتفادي العقوبات الدولية وتحقيق مصالحها الاقتصادية.
وفي هذا السياق، أشارت الباحثة المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، ألكسندرا بروكوبنكو، إلى أن الدخل الرئيسي لروسيا ما زال يعتمد بشكل كبير على مبيعات المشتقات النفطية. وتوضح بروكوبنكو أن هناك جهودًا مكثفة لتنويع مصادر الدخل وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ووفقًا لتقرير منظمة البيئة غير الحكومية “جلوبل ويتنس”، فإن واردات الغاز الروسي المسال إلى الاتحاد الأوروبي ارتفعت بنسبة 40 في المائة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، ما يعكس تحولًا في استراتيجية الصادرات الروسية.
وتظهر الأبحاث أيضًا أن روسيا استغلت تعاونها مع دول ثالثة، مثل الصين، للحصول على تقنيات أسلحة غربية تحت مظلة هذه الدول. وفي إطار الجهود الدولية للتجاوز عن العقوبات، تظهر شركات في تركيا والإمارات والصين، وحتى جمهوريات سابقة من الاتحاد السوفيتي، على استعداد لتقديم الدعم والمشاركة في مخططات تسهيل عمليات التجاوز.
وفي هذا السياق، تؤكد بروكوبنكو أن هناك شركات أوروبية مستعدة أيضًا للتعامل مع روسيا، خاصة فيما يتعلق بسلع ذات استخدام مزدوج، وذلك في حال تنفيذ الاتفاقيات عبر بلدان ثالثة. يظهر هذا السيناريو الاستعداد العالمي للتفاوض والتعاون في إطار الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
– “الأموال تتدفق”
أعربت آغات دوماريه، المحللة المتخصصة في شؤون السياسة الدولية، عن استغرابها إزاء عدم اتساق السياسات الأوروبية المتعلقة بروسيا، مشيرة إلى تعقيدات تقدير مدى صلابة العاصمة موسكو على المدى الطويل.
في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، أشارت دوماريه إلى أن الروس يواجهون حاليًا وضعية حرب، ولكن تبقى التساؤلات حول مدى استمرار ذلك الوضع. وقالت: “السلم الاجتماعي مكلف أيضًا، وفي الوقت الحالي، يبدو الروس في مواجهة حرب، ولكن إلى متى يمكن أن يستمر هذا الأمر؟ من الصعب معرفة ذلك.”
وفي سياق تأثير العقوبات، أشارت دوماريه إلى أنها على الرغم من أن العقوبات أثرت على حياة الروس العاديين، إلا أن بعض أثرياء موسكو يعيشون في رفاهية، مستفيدين مباشرة من التحولات الاقتصادية الناجمة عن الحرب.
وأشار المحلل السياسي سيرغي مدفيديف إلى هذا الجانب في تغريدة على فيسبوك، حيث قال: “الأموال تتدفق في موسكو”، مشيرًا إلى التفاهمات العسكرية والارتفاع الملحوظ في مبيعات النفط، مشددًا على أن البعض يستفيد بشكل كبير من الوضع الحالي.
وتشهد شوارع موسكو تزايدًا في أعداد السيارات الفارهة، حيث يبدو أن الروس يتأقلمون مع الظروف الاقتصادية بشكل سريع، مع استمرار التسوق في متاجر السلع الفاخرة وزيارة المطاعم الراقية بشكل غير منقطع.
وفقًا لتقرير أعده الباحثان دينيس جولكوف وأندري كولسنيكوف لصالح “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” الشهر الماضي، يشير الى أن الروس يظهرون قدرة على التأقلم مع التحولات الاقتصادية في فترة قصيرة جدًا.
وأكد التقرير على استمرار النمط الحياتي الفاخر في موسكو، حيث يتجاوز الأثرياء المحليين الظروف الاقتصادية الصعبة بسهولة، ويظهرون تفاؤلًا تجاه المستقبل الاقتصادي.
وركز التقرير على تحول تفكير الروس تجاه الوضع الحالي، حيث يبدو أن معظم السكان لا يركزون كثيرًا على الشؤون العسكرية أو تطورات الحرب في أوكرانيا. وفي تحليلهم، أشارا إلى أن الروس يعتقدون أن الحرب لن تنتهي قريبًا، ولذلك يحاولون تجاهل القلق والتركيز على حياتهم اليومية.
وفي ختام التقرير، أكدا الباحثان أن المجتمع الروسي يتعلم كيف يتوقف عن القلق بشأن الحرب ويستمتع بالحياة بشكل أكبر، مما يظهر تكيفًا سريعًا وقوة نفسية إيجابية في مواجهة التحديات الراهنة.