في قرية الهاشمية في شمال غرب الأردن، يعيش السيد علي صالح عطا، الذي بلغ من العمر 84 عامًا، ويحافظ على صحته الجيدة بوصفة خاصة. يبدأ يومه كل صباح بتناول فصين من الثوم مع كأس من زيت الزيتون، ومن ثم يتوجه إلى أرضه للاطمئنان على أشجار الزيتون المعمرة التي يعتني بها بعناية فائقة
أشجار الزيتون المعمرة في الأردن تستغيث للحفاظ على وجودها.
وفي حديثه لصحيفة “الفرنسية”، يؤكد عطا أهمية هذه الأشجار التي تزين أرضه والتي تعود جذورها إلى ما يزيد عن 2000 عام. ويصفها بأنها تمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الأردن، حيث تحمل جذوعًا ضخمة وأغصانًا متشعبة تشهد على مرور الزمن.
تقع أرضه في محافظة عجلون، وتحديدًا في قرية الهاشمية، حيث تمتد أفقها بجوار نهر الأردن. تحتوي هذه الأرض على آلاف الأشجار المعمرة التي تشكل معلمًا حضاريًا وثقافيًا في المنطقة.
ويبتسم عطا ويقول: “أوصيت أبنائي وأحفادي بالاعتناء بهذه الأشجار بعد رحيلي، وأن يستمروا في تناول ثمارها وينقلوا هذا التراث الحي للأجيال القادمة”.
وأعلن المجلس الزيتون العالمي أن المملكة الأردنية تحتل المرتبة العاشرة على مستوى العالم في حجم إنتاج الزيتون، مؤكدًا بذلك دور الأردن البارز في صناعة الزيتون وتحقيقه لمكانة مرموقة على الساحة العالمية.
وتعتبر أشجار الزيتون المعمرة في الأردن جزءًا لا يتجزأ من تاريخها وهويتها الغنية، حيث استطاعت هذه الأشجار القديمة مقاومة الظروف الصعبة والتغييرات المناخية على مر العصور، لتظل رمزًا للثراء الزراعي والثقافي للمملكة.
ومع ذلك، يواجه هذا التراث الحي الآن تحديات خطيرة، حيث تتعرض الأشجار للقطع الجائر نتيجة للتوسع العمراني، والاحتطاب، والبيع لأغراض غير زراعية. يقول نزار حداد، مدير عام “المركز الوطني للبحوث الزراعية” في الأردن: “تواجه هذه الأشجار أخطارًا كبيرة، خاصة خطر أن تصبح سلعة تجارية، حيث أصبحت محط أنظار الفنادق والفلل ورجال الأعمال والشركات”.
وأشار نزار حداد، مدير عام “المركز الوطني للبحوث الزراعية” في الأردن، إلى التحديات التي تواجه أشجار الزيتون المعمرة في المملكة. قال حداد: “هؤلاء الأفراد يحبون أن يضيفوا شيئاً من العراقة على مؤسساتهم فيشترون مثل هذه الأشجار وينقلونها، ما قد يعرضها إلى الاندثار لأن عمليات النقل هذه قد لا تنجح إذا لم يقم بها خبراء”.
وأضاف حداد أن “التشريعات الأردنية الجديدة تحمي هذه الأشجار من الاقتلاع والنقل”، وأن هناك تنسيقًا فعّالًا بين وزارة الداخلية والمركز الوطني وشرطة السير لضمان أن لا تسمح عمليات النقل إلا في حالات استثنائية تحت إشراف مركز البحوث ووزارة الزراعة.
وفي إحصائية تبين أهمية الزيتون في الاقتصاد الوطني، يبلغ عدد أشجار الزيتون في الأردن نحو 11 مليون شجرة، تعادل نحو 20 في المائة من مجمل المساحة المزروعة. وتبلغ مساهمة إنتاج الزيتون في الدخل الوطني حوالي 120 مليون دينار سنويًا (169 مليون دولار)، ويعتمد عليه نحو 80 ألف أسرة في الأردن.
ويركز نزار حداد، مدير المركز الوطني للبحوث الزراعية في الأردن، على الرمزية الدينية التي تحملها شجرة الزيتون بالنسبة للمسلمين. يشدد حداد على ضرورة المحافظة عليها كرمز ديني وثقافي، مشيرًا إلى أنها “تبقى مصدر إلهام للمجتمع، خاصة أنها من النوع القادر على التكيف مع كل التحديات البيئية التي تواجه العالم”.
من ناحيته، يعبر عامر الغرايبة رئيس جمعية “المهراس” التعاونية عن هدف الجمعية في “المحافظة على هذه الأشجار بوصفها ثروة وطنية”. ويوضح أن أشجار الزيتون المعمرة، التي تُعرف بـ”المهراس” اليوم، كانت في الماضي تسمى بـ”الزيتون الرومي”، نسبة إلى الرومان الذين حكموا المنطقة قبل الفتح الإسلامي.
وفي سياق متصل، يشير حداد إلى وجود تجمعات لأشجار الزيتون المعمرة في مختلف مناطق الأردن، مشيرًا إلى وجود تجمعات كبيرة في إربد وعجلون وجرش في شمال المملكة، بالإضافة إلى تجمعات أصغر في الطفيلة والكرك في المناطق الجنوبية.
وكشفت دراسة بحثية جديدة عن حقيقة مدهشة حول أصل أشجار الزيتون في المنطقة المشرق العربي، حيث كان يُعتقد عادة أن الرومان جلبوا هذه الأشجار من أوروبا. وفي تصريحات للإعلام، أكد نزار حداد، مدير المركز الوطني للبحوث الزراعية في الأردن، أن البحوث الجينية وفك الشفرة الوراثية أظهرت الحقيقة العكسية.
وأوضح حداد أن “الأشجار في المشرق العربي، بما في ذلك الأردن وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية، هي أصل الأشجار في إيطاليا وإسبانيا وقبرص”. وأضاف أنه تم نقل هذه الأشجار من المنطقة نحو إيطاليا وإسبانيا وقبرص.
وأكد حداد على أهمية هذا الاكتشاف، مشيرًا إلى أن الأشجار المعمرة في المشرق العربي تعتبر أصلًا لصنفين هامين في العالم لإنتاج زيت الزيتون. وأعرب عن سعادته بتبني هذه النتائج من قبل المجلس الدولي للزيتون.
من جهته، أوضح عامر الغرايبة، رئيس جمعية “المهراس” التعاونية، أن الجمعية تعاونت مع وزارة الثقافة لإعداد ملف لإدراج الأشجار المعمرة في قائمة التراث العالمي غير المادي لليونيسكو. وأشار إلى أن هذا الإجراء سيسهم في المحافظة على هذا التراث الثقافي وحمايته من التهديدات المحتملة.