ماكرون فى الجزائر يبحث
عن الغاز
بقلم / محمد رزق
حطت طائرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فى مطار هوارى بومدين الدولى فى زيارة رسمية هي الثانية له منذ زيارته الأولى فى ديسمبر 2017 إلى الجزائر إحدى المستعمرات الفرنسية السابقة الزيارة تأتي بعد فترة طويلة من التوترات بين البلدين على خلفية ذكريات متضاربة بشأن حرب الاستقلال الدامية بين البلدين دفعت هذه الذكريات الجزائر العام الماضى إلى استدعاء سفيرها في باريس حيث اتهم الرئيس الفرنسى ماكرون النظام السياسى العسكرى الحاكم فى الجزائر باستغلال الذكريات لتبرير وجوده فى الحكم.
لكن ماكرون ومن خلال هذه الزيارة الهامة يريد أن يعيد الشراكة الاستراتيجية بين فرنسا والجزائر ويطوي صفحات الماضي بكل ما تحمله من ذكريات مريرة للشعب الجزائرى ماكرون قرر أن يجعل هذه الزيارة للمستقبل ويضع اساسا راسخة تعيد اطلاق العلاقات بين البلدين الكبيرين حيث يسافر مع ماكرون وفدا كبير يضم 90 شخصيات متعددة ما بين وزراء ورجال أعمال ورياضيين على امل اصلاح وترميم علاقات بلاده المتصدعة مع دولة تتمتع احتياطياتها من النفط والغاز بأهمية استراتيجية بالغة ليس فقط لفرنسا وحدها ولكن لأوروبا كلها التى باتت تتألم من نقص شديد في إمدادات الغاز بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
هل يمكن للغاز الجزائرى أن يكون طوق نجاة لأوروبا؟
وفقا للأرقام والاحصائيات الرسمية الصادرة من الجزائر فإن احتياطات الجزائر من الغاز تناهز 2,4 تريليون متر مكعب، وهي تمد أوروبا بحوالي 11 بالمئة من استهلاكها مقابل 47% للغاز الروسي.
والجزائر بذلك تعتبر أول مصدر إفريقي للغاز الطبيعي والسابع عالميا ومن هنا تسعى العديد من الدول الأوروبية إلى تعويض واردات الغاز الروسي بشحنات من الجزائر التي وقعت اتفاقا مهما مع إيطاليا في أبريل الماضى بشأن زيادة إمدادات الغاز.
من ناحية اخرى كانت قد أعلنت مجموعة النفط والغاز الجزائرية سوناطراك نهاية يونيو الماضى اكتشاف رواسب “هامة” من الغاز المكثف في حقل حاسي الرمل في صحراء البلاد.
وأوردت سوناطراك في بيان أنها “تمكنت من تحديد إمكانات هامة جديدة من المحروقات… على مستوى رقعة استغلال حقل حاسي الرمل”.
وأوضحت أن الاحتياطيات المكتشفة “تراوح بين 100 و340 مليار متر مكعب من الغاز المكثف”.
وأضافت الشركة الجزائرية العملاقة “يشكل هذا الحجم من الغاز المكثف واحدة من أكبر عمليات إعادة تقييم الاحتياطيات خلال العشرين سنة الماضية”.
وتعتزم سوناطراك بدء استغلال هذه الاحتياطيات في تشرين الثاني/نوفمبر بانتاج 10 ملايين متر مكعب يوميا.
هذه الاحتياطيات الضخمة من الغاز الجزائرى جعلت الدول الاوروبية تتلهف عليها على أمل ان تعوض ولو بنسب محددة ما تفقدة القارة العجوز من الغاز الروسى الذى تقلص روسيا تدفقه يوما بعد يوم الى اوروبا ومع اقتراب فصل الشتاء تزداد المعاناة الاوروبية اذا ما استمرت الازمة الحرب الروسية الاوكرانية على حالها لكن هناك ازمة أخرى تتعلق بامكانيات الجزائر التصديريه وبنيتها الاساسية التى وصفت بانها متواضعه للغاية ولا ترقى لطموحات اوروبا وما تحتاجة من كميات كبيرة تعوض بها النقص الكبير فى الغاز الروسى.
خط الغاز الجزائرى ترانسمد الى ايطاليا
تبلغ الطاقة غير المستخدمة لخط أنابيب الغاز “ترانسمد” الذي يزوّد إيطاليا، حوالى 7,8 مليارات متر مكعب، أي أقل من 9 مليارات مخطط لها بموجب الاتفاقية الجزائرية الإيطالية الأخيرة.
كذلك يمكن تسييل الغاز الجزائري عبر محطات الاسالة في الجزائر وأرسالة فى شحنات إلى أوروبا لكن تظل الأزمة فى أن قدرات هذه المحطات لا تتعدى 50 الى 60 من طاقتها وبالتالي تحتاج الجزائر الى استثمارات ضخمة تستهدف تحديث بنيتها الاساسية فى الغاز وهو ما تسعى الدول الأوروبية الى الانخراط فيه بكل قوة وهو ما يفسر تواجد وفد كبير من كبار المستثمرين ورجال الأعمال الفرنسيين برفقة الرئيس الفرنسى ماكرون خلال زيارته إلى الجزائر ومن قبلها الاتفاقية التي تم التوقيع عليها خلال زيارة سابقة قام بها رئيس الوزراء الايطالي ماريو دراجي الجزائر فى أبريل الماضى .
خط ميدكات لنقل الغاز من الجزائر الى اسبانيا
يبدو أن طول أمد الازمة والحرب الروسية الاوكرانية وقرب حلول فصل الشتاء يدفع باتجاه إعادة إحياء مشروع خط أنابيب الغاز “ميدكات MidCat” لنقل الغاز الجزائري من إسبانيا إلى فرنسا، وهو ما يمكن أن يساهم في استغناء أوروبا عن الغاز الروسي. وألمانيا التي تستورد حوالي 55 بالمائة من حاجتها للغاز الطبيعي من روسيا، تدعم بشدة استكمال مشروع خط أنابيب الغاز من إسبانيا إلى جنوب فرنسا الذي توقف عام 2019.
وقال السفير الألماني في مدريد، فولفغانغ دولد، في مقابلة مع صحيفة “لا فانغارديا” الإسبانية نشرت يوم الثلاثاء (29 مارس/ آذار 2022) ، إن “ألمانيا تدعم تماما خط أنابيب ميدكات MidCat”.
وقد توقف مشروع خط الأنابيب هذا والذي تبلغ طاقته السنوية 7,5 مليار متر مكعب قبل ثلاث سنوات لأنه كان يعتبر غير ذي جدوى اقتصادية آنذاك، وبسبب إمدادات الغاز الطبيعي الأرخص من روسيا.
لكن مع غزو أوكرانيا وبحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، تغير الموقف من هذا المشروع، الذي لا يزال هناك 226 كيلومترا منه ويحتاج عامين من العمل ليكتمل. وتريد إسبانيا من الاتحاد الأوروبي أن يمول المشروع. وأكد دولد على أهميته بالقول إننا “نعتقد أن شبه الجزيرة الإيبيرية تقدم بديلاً ويمكن أن تساهم في تنويع” مصادر الغاز.
هل تتحسب الجزائر لغضب الحليف الروسى ؟
فى الوقت الذى تحاول فيه الجزائر الاستفادة من السياق الحالى للحرب الروسية الاوكرانية وتقديم نفسها كشريك موثوق فيه بالنسبة للقارة الأوروبية تخشى ايضا وتتحسب لموقف حليفتها التقليدية روسيا التى ترتبط بها بعلاقات قوية وراسخة على المستوى السياسى والاقتصادى بل والعسكرى غالبية التسليح الجزائرى يأتي من روسيا هى لا تريد أن تظهر وكأنها تصطاد فى الماء العكر لتحل محل حصة روسيا في الغاز الى أوروبا لذلك تتأنى كثيرا فى خططها لتحديث بنيتها التصديرية للغاز الى القارة العجوز التى باتت تبحث عن الغاز فى أى مكان وبأى ثمن .