الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على الدول العربية والإفريقية
دور قطاع المقاولات ومؤسسات التمويل في التصدي للأزمة
د. مهندس مستشار/ مالك علي محمد دنقلا
تناولنا في المقالات الثلاثة السابقة أسباب حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية، وتأثيراتها على دول العالم خاصة المنطقة العربية والإفريقية، كما أوضحنا سبل مواجهة هذه الأزمة، وكيفية التقليل من تداعياتها الخطيرة على دولنا العربية والإفريقية، وفي هذا المقال الرابع والأخير سوف نتحدث عن دور قطاع المقاولات العربي والإفريقي، ومؤسسات التمويل العربية والإفريقية والإسلامية في هذا الصدد، خاصة وأن قطاع المقاولات يمثل أهمية قصوى في اقتصاديات الدول العربية والإفريقية، حيث يستحوذ على 70 % من إجمالي مخصصات الاستثمارات التنموية، كما يساهم في توفير فرص عمل لنسبة 30 % من الأيدي العاملة، فضلاً عن أن هناك أكثر من تسعين صناعة ونشاطاً ترتبط بهذا القطاع، منها ما هو مرتبط بمرحلة ما قبل الإنشاءات، ومنها ما هو مرتبط بمرحلة الإنشاءات، ومنها ما هو مرتبط بمرحلة ما بعد الإنشاءات، كما أن للقطاع دوراً اساسياً في إقامة بنية أساسية تواكب التطور الحضاري والاقتصادي للبلدان، واستيعاب استثمارات رأسمالية ضخمة، وتقديم الدعم الأساسي لتطوير الاقتصادات الوطنية، وتحريك النمو، والمساهمة في تكوين رأس المال الثابت، وزيادة الناتج القومي الإجمالي، مما يتيح له دوراً فاعلاً في مواجهة تأثيرات الأزمة الاقتصادية على المنطقة العربية والإفريقية.
ومع الدعوة إلى ضرورة خلق تكتل اقتصادي قوي لبلداننا وتعبئة كل الإمكانيات والطاقات والقدرات البشرية والفنية المشتركة للمساهمة في الحد من ظاهرة البطالة، وتوفير فرص عمل متعددة ومتنوعة خاصة في حالات التراجع الاقتصادي وتراجع الفرص، نتيجة هذه المصاعب الاقتصادية العالمية والأزمات الداخلية، فإن الأمر يتطلب تكثيف الجهود المشتركة لتحقيق هذه الآمال، وإعلان خطة واضحة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، خاصة وأن الدول العربية والإفريقية تتمتع بسوق واسعة وموقع استراتيجي، وتمثل كلاها فرصة لنجاح التكامل الاقتصادي المطلوب، حيث إن الامتداد الجغرافي الكبير بجانب التعداد الضخم للسكان يوفر سوقاً مناسبة لتصريف المنتجات المتوفرة في كل دولة على قاعدة تعدد الموارد المتاحة، كما أن سعة السوق وضخامة رؤوس الأموال وتوفر الموارد البشرية تشكل مجالاً رحباً للتكامل وتكوين الشراكات؛ بهدف تنفيذ الاحتياجات من المشروعات الكبرى.
وجدير بالذكر في هذا الشأن أن اتحاد المقاولين العرب، واتحاد المقاولين الإفريقي قد بادرا بالعمل على عدة محاور للمساعدة في تحقيق التنمية المستدامة، وتطوير وتقوية صناعة المقاولات العربية والإفريقية؛ لتكون قادرة على تنفيذ مشروعات البنية الأساسية وكافة المشروعات والخطط التي تنفذ بنية تحتية متمكنة، كما يعملان على خلق تكتل إقليمي قوي في مجال البناء والتشييد، وتعبئة كل الإمكانيات والطاقات والقدرات البشرية والفنية المشتركة لتحقيق قوة في الحجم والمواصفات تتيح للشركات الوطنية المقدرة على تنفيذ المشروعات الكبرى، وتمكنهم من خوض المنافسة مع الشركات العالمية ذات رؤوس الأموال الضخمة والتكنولوجيا المتطورة.
ورغم التحديات التي تواجه قطاع المقاولات في الوقت الحالي، وعلى رأسها ارتفاع تكلفة الإنتاج نتيجة تأثير تداعيات الاقتصاد العالمي على أسعار مواد البناء، والتي ارتفعت بصورة ملحوظة خلال الفترة الماضية، علاوة على ما تشهده سلاسل التوريد والإمداد من اضطرابات غير مسبوقة، وارتفاع تكاليف الشحن نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، فإن هناك بعض الإجراءات التي تمكن قطاع المقاولات المساهمة في تخفيف حدة تداعيات الأزمات الاقتصادية وذلك من خلال ما يلي:
(1) طرح حزم ضخمة من مشروعات البنية التحتية، والإسكان والمدن العمرانية، ومشروعات الطاقة المتجددة، وغيرهما من المشروعات التنموية والهندسية الكبرى؛ التي تساهم بشكل قوي وفعال في الانطلاق نحو تحقيق الرفاهية، وتعزيز النمو الاقتصادي العربي والإفريقي.
(2) منح شركات المقاولات العربية والإفريقية كافة الفرص لتنفيذ المشروعات الكبرى، حيث يرتبط بنشاطها حل مشكلة البطالة، نتيجة تشغيل قطاع ضخم من العمالة، فضلا عن تحريك سوق صناعة مواد البناء، وتهيئة الظروف التي تتيح للناس الحصول على فرص عمل جيد تحفز الاقتصاد دون الإضرار بالبيئة.
(3) رفع نسب المشاركة في المشروعات الانمائية بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز دور القطاع الخاص والمجتمع المدني في المشاركة في وضع وتنفيذ برامج التنمية المستدامة، وتحفيز القطاع الخاص للاستثمار في البنية التحتية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، عبر تقديم تشريعات مشجعة تساعد على تنظيمها وتوفير التسهيلات المالية والإدارية والقانونية اللازمة.
(4) توفير التمويل اللازم والمستمر لعمليات التنمية، من خلال تعزيز التعاون بين البنوك والمصارف العربية، وقطاع البناء والتشييد، وحل المشاكل الائتمانية، لتنفيذ أوجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية بسهولة ويسر دون عقبات بما يدعم أطر التنمية المستدامة.
(5) تشجيع قيام شراكة حقيقية في مجال صناعات مواد البناء والاستغلال الرشيد للثروات المتاحة، إضافة إلى تحقيق التكامل في جميع هذه الصناعات، للاستفادة من المزايا والمعطيات المحلية التي تتمتع بها كل دولة، ومعرفة مصادر المواد الوطنية الطبيعية المتاحة، التي بإمكانها سد الحاجات المحلية، بدلاً من الاستيراد من الدول الأجنبية.
(6) الاستفادة من التقارب الجغرافي ووحدة اللغة في فتح الأسواق أمام بعضها، وتحسين وسائل النقل البري والبحري بين الدول، وتسهيل الانتقالات وتقليل التكاليف الاقتصادية.
(7) تأسيس مراكز المعلومات المتخصصة، التي تعتمد على مصادر موثوق بها؛ لتكون قاعدة بيانات متخصصة توفر بيانات موحدة وتفصيلية تتضمن معلومات عن كافة المشروعات المطروحة، أو التي سوف تطرح مستقبلاً في الأسواق العربية والإفريقية، ومصادر تمويل كل مشروع، واحتياجاته من المعدات والآلات ومواد البناء، كما تتضمن كافة القوانين والتشريعات في كل دولة، وشبكات النقل والمواصلات، وإجراءات تحرك الأشخاص ورؤوس الأموال، والنظام الجمركي.
(8) تبني استراتيجية موحدة لرفع مستوى الكفاءات والقدرات البشرية، وعقد الدورات التدريبية المشتركة، وتطوير مناهج وأساليب التعليم والبحث العلمي والتقني؛ بما يتلاءم مع احتياجات التنمية المستدامة، ودعم وتطوير المؤسسات التنموية والبيئية وتعزيز بناء القدرات؛ بما يواكب العصر، والتغلب على كافة المعوقات المالية والفنية والإدارية التي تواجه تحقيق هذه الأهداف، وزيادة الاستثمارات في مجال بحوث البناء والتشييد ونقل التكنولوجيا، وتعزيز التعاون والتنسيق مع المنظمات الاقليمية والدولية المتخصصة لرفع مستوى التعليم العام والفني.
(9) تبني مفهوم المشاركة بين المجتمع المدني والحكومي والخاص في تطوير المناطق الحضارية والنقل المستدام، والمدن المستدامة.
(10) توفير مصادر تمويل مشتركة ومستمرة، واستثمار جميع الإمكانيات المادية والبشرية للمجتمعات المحلية العربية والإفريقية.
(11) تحقيق التكامل وتبادل الرؤى حول كيفية تحسين مستوى الخدمات الصحية والسكنية، وإنشاء وتطوير المؤسسات التنموية والبيئية، وتنفيذ مشاريع مشتركة للنقل والغاز الطبيعي بين الدول العربية.
(12) زيادة مدة تنفيذ المشروعات لمواجهة أزمة السيولة، وتسهيل إجراءات استيراد مواد البناء لزيادة المعروض في الأسواق، بالإضافة إلى إعادة دراسة التعاقدات مع الجهات الحكومية لتراعي أثر ارتفاع الأسعار.
(13) تفعيل دور الأجهزة الرقابية في مراقبة أي ممارسات احتكارية في مواد البناء، وبالتالي زيادة السعر، مع تسهيل فتح اعتمادات لاستيراد الحديد من الخارج، وإلغاء رسوم استيراد البليت من الخارج، وهو المكون الرئيسي في صناعة الحديد لزيادة المعروض.
(14) التعاون في عملية اكتشاف الثروات الدفينة واستغلالها، بصورة ملائمة وتوظيفها في عملية التنمية.
(15) إقامة صناعات مشتركة وضخمة لمعدات وآلات الإنشاءات الثقيلة، وتقليل الاعتماد المفرط على العالم الخارجي في هذه المهمات.
(16) الاستفادة من مهارات الفنيين والأيدي العاملة الماهرة بصورة أفضل.
(17) التعاون في تنفيذ المشروعات الكبرى بأيدٍ عربية وإفريقية، مما يحمي الاقتصاديات ويوفر العملات الحرة التي كانت تذهب إلى الشركات الأجنبية.
(18) توفير المزيد من فرص العمل؛ مما يرفع من مستوى معيشة المواطنين.
(19) تحقيق أكبر قدر من الاعتماد القومي على الذات وتضييق ظاهرة المديونية، وتقليص حجم الفوائد المترتبة عليها.
(20) المساهمة المشتركة في إقامة مراكز تدريب كبرى متكاملة ومترابطة على أسس عصرية تعتمد على العلم والتكنولوجيا.
(21) تخفيف القيود على حركة وتنقلات الأشخاص والقوى العاملة ورؤوس، وتحسين قطاع النقل البحري والسكك الحديدية والنقل البري والنقل الجوي؛ وذلك لأهمية دور النقل والمواصلات في دعم التكامل الإقليمي.
(22) تطوير القوانين والتشريعات القائمة لتسهيل حرية العمل للشركات العربية في الوطن العربي والإفريقي.
(23) النهوض بمستوى المعرفة التكنولوجية وتوطينها والاستفادة من التقنيات الحديثة، والنهوض بالمؤسسات والمراكز البحثية المتخصصة بأبحاث وتطبيقات البناء الأخضر والهندسة القيمية والنانو تكنولوجي.
دور مؤسسات التمويل العربية والإفريقية:
تمتلك المنطقة العربية والإفريقية منظومة كبيرة ومتنوعة من المؤسسات وصناديق التمويل، حيث هناك الصناديق الإنمائية مثل: (صندوق النقد العربي)، و(الصندوق السعودي للتنمية)، و(الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي)، و(صندوق أبوظبي للتنمية)، و(الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية)، و(المصرف العربي للتنمية الاقتصادية)، بالإضافة إلى العديد من المؤسسات المصرفية والاستثمارية، مثل: (المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات)، و(الهيئة العربية للاستثمار والإنماء)، هذا علاوة على مؤسسات التمويل الدولية التي تمتلك فيها الدول العربية والإفريقية حصصاً ضخمة ومؤثرة، مثل: (بنك التنمية الإفريقي)، و(صندوق الأوبك للتنمية الدولية)، و(البنك الإسلامي للتنمية).
وللاستفادة المثلي من هذه الصناديق والمؤسسات التمويلية، وتفعيل جهودها، من الأحرى اتخاذ سياسات تمثل نوعاً من الحفز أو التشجيع، وذلك من خلال ما يلي:
(1) مساعدة الحكومات العربية والإفريقية في تغطية العجز في ميزان المدفوعات والموازنات العامة ومقابلة التزاماتها المالية الخارجية.
(2) التمويل الإنمائي لتنفيذ مشاريع إنمائية في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في الدول المستفيدة، إضافة إلى المشاريع المشتركة.
(3) تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي بالإضافة إلى تمويل المشاريع التنموية. ومواجهة الاضطرابات والكوارث الطبيعية.
(4) وضع استراتيجية شاملة لتعزيز التكامل والترابط الإقليمي عن طريق عدد من المشاريع الإقليمية، مثل: الربط الكهربائي، وربط شبكات الغاز، وربط شبكات الطرق والسكك الحديدية، وربط شبكات مياه الشرب، وتقديم الدعم لتطوير الموانئ البحرية وزيادة طاقاتها.
(5) استحداث برامج وتسهيلات مخصصة لتمويل التجارة البينية ودعم ترويج الصادرات، سواء من خلال تمويل عمليات هذه التجارة، أو عبر تقديم خدمات ضمان ائتمان الصادرات.
(6) دعم المشاريع الاستخراجية في مجال المعادن، ومشاريع التصنيع الأساسي، كالإسمنت والحديد والأسمدة الكيماوية؛ بهدف تعظيم الاستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع بها بعض الدول العربية والإفريقية في هذا الشأن لإقامة مشاريع قادرة على المنافسة.
(7) دعم الإصلاحات الهيكلية التي تعزز الاستقرار الاقتصادي الكلي؛ لمعالجة وتصحيح الاختلالات المالية، عبر تقديم مجموعة من التسهيلات الائتمانية القصيرة والمتوسطة الأجل حسب احتياجات كل دولة، مع توفير المشورة والمساعدة الفنية في إعداد إجراءات وعناصر هذه البرامج ومتابعة تنفيذها.
(8) توفير تمويلات أكثر لمشاريع التنمية الاجتماعية، وبشكل خاص في مجال دعم التعليم النظامي والتدريب المهني، وتحسين الخدمات الصحية ومكافحة الفقر والبطالة في الدول المستفيدة، من خلال تقديم قروض التسليف الإنمائي لمساعدة الشرائح الاجتماعية الأقل دخلاً.
(9) تمويل المشروعات الإنتاجية والبرامج الاقتصادية، وتقديم ضمانات مالية لمخاطر الاستثمار ومخاطر الصادرات، ووضع وتطوير معايير الإدارة الاقتصادية.
(10) تمويل المشاريع الاقتصادية ذات الطابع الاستثماري بشروط ميسرة للحكومات والهيئات والمؤسسات العامة، مع منح الأفضلية للمشاريع الحيوية المشتركة، وتوفير عمليات التمويل الأخرى والخدمات المالية والفنية والاستشارية اللازمة.
(11) تقديم المساعدات لتمويل تكاليف إعداد دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروعات وتدريب الكوادر الوطنية.
(12) دعم الصادرات الوطنية غير النفطية عن طريق تمويل الصادرات وضمانها.
(13) تقديم الدعم للدول العربية والإفريقية الفقيرة، وتعزيز البنية التحتية في مختلف قطاعاتها الاقتصادية، فضلاً عن توفير فرص عمل وموارد العملة الصعبة لهذه الدول.
(14) تقديم الدعم اللازم للقطاعات المهمة، مثل: البنية التحتية، والزراعة والري واستصلاح الأراضي، والثروة الحيوانية والسمكية، والكهرباء والمياه، والنقل والمواصلات والتخزين، والصناعة والتعدين، والخدمات الاجتماعية والصحية، السياحة والفنادق، والاتصالات.
(15) تطوير وتنمية الخبرات والمعونات الفنية في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية، وإنشاء أو المساهمة في رؤوس أموال المؤسسات ذات الشخصية الاعتبارية التي تهدف إلى تنفيذ وتمويل مشاريع القطاع الخاص.
(16) منح المساعدات والمعونات المادية اللازمة للتخفيف من أثر نتائج الأزمات والكوارث الطبيعية والظروف الاجتماعية التي تتعرض لها البلاد العربية.
(17) المساهمة في تطوير منتجات الدول العربية، والعمل على تسهيل دخول هذه المنتجات إلى الأسواق الأجنبية، وتوفير المعلومات التجارية، وتقديم المساعدة في مجالات تنمية التجارة والمفاوضات التجارية الدولية، وتنظيم المعارض التجارية العامة.
(18) الإسهام في تعزيز الأمن الغذائي وتنمية الموارد الزراعية؛ لتوفير أكبر قدر من السلع الغذائية، وزيادة تبادل المنتجات الزراعية ومستلزمات الإنتاج الزراعي.
وأخيراً، يجب تشجيع مشاركة رؤوس الأموال العربية في التنمية الإفريقية، والإسهام في توفير المعونة الفنية اللازمة للتنمية؛ لهدف دعم التعاون الاقتصادي والمالي والفني بين المنطقتين العربية والإفريقية، وتجسيداً للتضامن العربي الإفريقي.