وأشارت بيلان إلى أن صندوق النقد الدولي، الذي وافق على شريحة جديدة بقيمة 900 مليون دولار هذا الشهر، يحتاج إلى ضمانات تمويل قوية للأشهر الـ12 المقبلة، وأن انخفاض التمويل الخارجي قد يثير الشكوك حول برنامجه.
من ناحية أخرى، أوضح يوري هايداي، كبير الاقتصاديين في مركز الاستراتيجية الاقتصادية في كييف، أن “الحكومة لديها احتياطي سيولة لشهري يناير وفبراير”. وحذرت بيلان من أن سد الفجوة الكبيرة في الميزانية قد يضطر أوكرانيا إلى زيادة الضرائب، مما سيؤثر على الاقتصاد بشكل عكسي، أو حتى طباعة أموال لتمويل الميزانية، ما قد يأتي بمخاطر إضافية.
وأوضح محافظ البنك المركزي الأوكراني، أندريه بيشني، أن إجراء طباعة النقود سيعتبر خيارًا متطرفًا، وليس هو الخيار المفضل للبنك في الوقت الراهن، مؤكدًا أنهم لا يخططون للجوء إلى هذا الإجراء خلال العام الحالي.
وتواجه أوكرانيا تحديات مالية إضافية حيث تحتاج أيضًا إلى إيجاد وسيلة لإعادة هيكلة نحو 20 مليار دولار من الديون الدولية في العام المقبل، بعد موافقة حملة السندات السيادية على تجميد الدفع لمدة عامين في أغسطس 2022.
من جهته، صرح وزير المالية سيرهي مارشينكو بأن الحكومة تتطلع إلى تأمين التمويل الأجنبي بشكل كامل في عام 2024، إلا أنه أضاف أنه في حال استمرار الحرب لفترة أطول، قد يتعين عليهم التكيف مع الظروف الجديدة.
مع مراقبة نمو الاقتصاد الذي يشهد تحسنًا، حيث يتوقع أن ينمو بنسبة حوالي 5 في المائة هذا العام، بعد انكماشه بنسبة كبيرة في العام الماضي. وقد انخفض معدل التضخم إلى خانة الآحاد، واقتربت احتياطيات النقد الأجنبي من أعلى مستوياتها التاريخية، إضافة إلى استمرار وصول المساعدات الأجنبية بانتظام هذا العام.
وتكيفت الشركات الأوكرانية والشركات الأجنبية مع تداولات الحرب الجديدة، حتى وصل بعضها إلى الإعلان عن إقامة منشآت إنتاجية جديدة في المناطق الوسطى والغربية، للابتعاد عن الصراعات الدائرة في المناطق الشرقية والجنوبية التي تشهد كثافة صناعية أكبر.
قد قامت شركة نستله بالاستثمار بقيمة 40 مليون فرنك سويسري (46 مليون دولار) في منشأة جديدة بمنطقة فولين الغربية، في حين تخطط شركة باير الألمانية العملاقة للأدوية للاستثمار 60 مليون يورو ابتداءً من عام 2023 في إنتاج بذور الذرة في منطقة جيتومير وسط البلاد.
ومع وجود علامات تعافي متواضعة في الاقتصاد هذا العام، إلا أن الاقتصاد القائم على السلع الأساسية لا يزال أقل حجمًا مما كان عليه قبل الحرب، وتظل المخاطر والقيود الأخرى في مستويات مرتفعة.
تظل الملايين من الأوكرانيين في الخارج بعد الهروب من آثار الحرب، مما أدى إلى شكاوى من قِبَل العديد من الشركات بسبب نقص العمال، خاصة في الوظائف التي تتطلب مهارات متقدمة.
وتظل حالة عدم اليقين حول تطورات الوضع الحالي في أوكرانيا قائمة، حيث تعاني الخدمات اللوجستية للصادرات من التعثر نتيجة استمرار تواجد اللاجئين في الخارج. أفاد المعهد الوطني للاقتصاد الزراعي بأن مشكلات النقل والخدمات اللوجستية أدت إلى تراجع صادرات المنتجات الزراعية بنسبة 7 في المائة على أساس سنوي في نوفمبر، مما زاد من تكاليف الأغذية المستوردة، والتي تشكل 60 في المائة من صادرات البلاد.
تتوقع شركة الاستثمار المقرة في كييف أن ينخفض معدل النمو إلى 5 في المائة في عام 2024 بعد أن بلغ 5.8 في المائة هذا العام، مع توقعات بارتفاع معدل التضخم في العام المقبل. وفي سياق متصل، تتوقع شركة دراجون كابيتال أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي نموًا بنحو 4 في المائة في عام 2024، بعد أن بلغ 5.2 في المائة هذا العام.
رغم المخاوف من تراجع الدعم المالي الغربي، يشدد اقتصاديون على أنه من المؤكد أن كييف ستظل معتمدة على التمويل الأجنبي. وفي هذا السياق، أشارت شركة الاستثمار إلى أن “العجز قبل المساعدات الخارجية والقروض سيظل يفوق 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل حتى عام 2027، وسيتناقص إلى أقل من 5 في المائة فقط بعد عام 2030”.
تجاوز العجز التجاري لأوكرانيا حاجز 22.3 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، وهو رقم قياسي يكشف عن ارتفاع حاد في حجم الواردات.
في هذا السياق، أشار وزير المالية الأوكراني، سيرهي مارشينكو، إلى ضرورة تقليل استهلاك السلع المستوردة، حيث دعا الجمهور إلى التحلي بالوعي في تصريحات نشرها من خلال منفذ بيت الاستثمار الأوكراني.
أوضح مارشينكو أن وضع الاقتصاد في حالة الحرب لا يتعلق فقط ببناء الصناعة العسكرية، بل يتطلب أيضًا فهمًا أعمق من قبل الجمهور للتحديات الحالية.
وأضاف: “إن هذا السياق يتطلب تصحيحًا إذا أردنا أن نعتمد على أساس عسكري، حيث يمثل حدًا للاستهلاك العام”. وأكد أنه في حال عدم التوصل إلى استنتاجات فعالة، سيتم تصحيح الوضع اقتصاديًا تلقائيًا، وبسرعة كبيرة، وبشكل يمكن أن يكون مؤلمًا للمجتمع.