في زمن الخوارزميات… هل نختار أن نكون بشراً؟

 

أنا وسلمى

 

سلمى: قرأت خبر أمس ” وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، قد يتم استبدال حوالي  85 مليون وظيفة بحلول عام 2025″ .
توقفت عنده للحظة… بل أعتقد لحظات. تذكرت عِدة أخبار نراها يوميًا عن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.  شعرت وكأن العالم حقًا يتغير أسرع مما أستطيع استيعابه. هل نحن مستعدون لهذا المستقبل؟ أم أنني سأكون جزءًا من الأرقام التي ستستبدل؟

-رقم يستحق التوقف عنده. نحن بالكاد نعرف أسماء 85 وظيفة مختلفة، فكيف يمكننا استيعاب أن هذا العدد يمثل فقط جزءًا من الوظائف التي قد يستبدلها الذكاء الاصطناعي من بين آلاف الوظائف الموجودة؟ لكن دعيني أسألك: ما الذي يشغلك أكثر؟ فكرة فقدان الوظائف بحد ذاتها أم وتيرة التحول السريعة التي تبدو وكأنها تسبق قدرتنا على التأقلم؟

سلمى: لا، ما أعنيه حقًا هو التسارع التكنولوجي الهائل الذي يسيطر على عالمنا اليوم، فالتكنولوجيا أصبحت جزءًا لا يمكن تجاهله نهائيًا في حياتنا، وبالطبع، الوظائف هي جزء كبير من هذا التحول المثير للقلق. بالتأكيد أخشى فكرة استبدالنا ولكن ما أخشاه حقًا بل ما هو أخطر؛ الاعتماد المفرط على الآلات، وهذا ما قد يدفعنا نحو تراجع مخيف. تخيلي مثلًا، لماذا أتعلم لغة جديدة إذا كانت هناك تطبيقات قادرة على التحدث، والقراءة، والكتابة بكافة اللغات وكأنها شخص حقيقي؟ يصبح السؤال: هل نحتاج لتطوير مهاراتنا الإنسانية بعد الآن؟ هل سنظل قادرين على إضافة قيمة حقيقية في عالم تسيره الخوارزميات؟ في هذا السياق، يصبح السؤال أكبر من مجرد وظائف تُستبدل. هل سنظل نحن، بكل ما نملك من أحاسيس وأفكار، في هذا العالم الذي يصبح كل شيء فيه قابلًا للتكرار؟

-اتفق معك جزئيًا، ولكن السؤال “لماذا أتعلم لغة جديدة إذا كانت الآلة يمكنها أن تفعل ذلك بدلاً مني؟” يطرح تساؤلًا أعمق بكثير. ما الذي يجعلنا بشراً حقًا؟ هل نحن مجرد مجموعة من البيانات والمعلومات التي يمكن للآلة أن تحللها وتقلدها؟ أم أننا كائنات معقدة ذات مشاعر، وأحلام، وطموحات تتجاوز مجرد القدرة على التحدث بلغات متعددة؟..الذكاء الاصطناعي، رغم تطوره، يحتاج إلى شخص يفهم كيف يتعامل معه، وكيف يوجهه بطريقة سليمة ليحصل على النتائج الدقيقة والصحيحة. لا يمكن أن نغفل أن الآلة، مهما كانت متطورة، تبقى مجرد أداة تتطلب توجيهًا بشريًا. فإذا لم يتم إدخال الرسالة بشكل صحيح، قد تُنتج نتائج غير دقيقة أو حتى كارثية.

إضافة إلى ذلك، ورغم أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل البشر في بعض الوظائف، سيظهر أيضًا نوع جديد من الوظائف للبشر الذين سيعملون على تحسين أداء الذكاء الاصطناعي. ستظل الحاجة للبشر موجودة، ولكن بشكل مختلف؛ ستحتاج المجتمعات إلى خبراء يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي، يوجهونه، ويعالجونه بما يتناسب مع القيم الإنسانية والمبادئ التي لا يمكن للآلات فهمها أو محاكاتها بنفس العمق.

سلمى: هذا منطقي جدًا، ومع ذلك، لا أستطيع تجاهل شعور القلق الذي يرافقني. هل نحن كأفراد نطور مهاراتنا بالسرعة التي تتطور بها التكنولوجيا؟.. لكن القلق لا يتوقف هنا؛ الجانب الأمني أصبح مرعبًا بحق. اليوم، من السهل جدًا إنشاء تسجيلًا “بصوتي” يقول أشياء لم أنطق بها، بدقة تجعلني أنا أصدق اني قولت هذا! ، أو صورة لي تبدو وكأنها حقيقية تمامًا لكنني لم أكن يومًا في ذلك المكان. هذا لا يهدد فقط أمن الأفراد، بل أمن دول بأكملها أيضًا.

والأخطر من ذلك، أن هذه التكنولوجيا أصبحت متاحة للجميع—بما في ذلك أولئك الذين لا يدركون خطورتها، أو الأسوأ، يستخدمونها دون قيود. والناس؟ بعضهم يتعامل معها كأنها لعبة! يُلقون بتفاصيل حياتهم اليومية: ما يحبون، ما يكرهون، ما يحتاجونه، وكأنهم يُغذون وحشًا خاملاً لا يدركون متى قد يلتهمهم. تخيلي، نحن نمنح هذه الأنظمة مفتاح حياتنا بيدينا، دون أن ندرك الثمن الذي قد ندفعه.

لا أملك ردًا قاطعًا لشعوركِ، يا سلمى، ولا أحد يعلم ما يخفية التسارع التكنولوجي لنا فنحن جميعًا نقف على حافة هاوية، نحدق في أعماق مجهولة.

عندما نتحدث عن التسارع التكنولوجي، لا نتحدث فقط عن أجهزة جديدة أو تطبيقات. نحن نتحدث عن تحول جذري في طريقة عيشنا، نعمل، ونتفاعل مع العالم من حولنا. هذا التسارع، الذي يشبه عاصفة تغير كل شيء في طريقها، يثير تساؤلات عميقة حول هويتنا كبشر ودورنا في هذا العالم المتسارع.

لن نستطيع انكار ما يقدمة لنا الذكاء الاصطناعي من سهولة وتوفير وقت وجهد ولكن التكنولوجيا قد تكون طريقًا مختصرًا نحو حياة أكثر سهولة وسرعة، لكنها تفتح أيضًا أبوابًا لأسئلة يصعب الإجابة عليها.

هل سنجد التوازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة لتحسين حياتنا، وبين حمايتنا لأنفسنا من أن نصبح جزءًا من الآلة؟ أم أن سيل التطور سيجرفنا قبل أن ندرك أننا فقدنا شيئًا؟

ربما يكمن الحل في التريث… في إعادة النظر بكل خطوة نخطوها على هذا الطريق السريع. لكن في النهاية، يظل السؤال مفتوحًا: إلى أي حد يمكننا السير في هذا الطريق دون أن نفقد جوهرنا كإنسان ودون أن نتخلف عن مواكبة هذا التقدم؟ وأي مستقبل نختار أن نصنعه لأنفسنا؟ ربما الإجابة لن نجدها الآن، لكنها تنتظرنا…

سلمى وائل

Comments (0)
Add Comment