هيثم عمران الإتفاقية تأتي في إطار إعادة صياغة التوازنات الأمنية الإقليمية وتعزيز قدرة الرياض على مواجهة التهديدات

د هيثم عمران المحلل السياسي في حوار خاص 

الإتفاقية تأتي في إطار إعادة صياغة التوازنات الأمنية الإقليمية وتعزيز قدرة الرياض على مواجهة التهديدات

كتبت نجوى رجب

وقعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع إستراتيجية مشتركة في خطوة هي الأولي من نوعها ، كما أنها تعزز بشدة شراكة أمنية في ظل تنامي التوتر بالمنطقة .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل قامت السعودية بتوقيع هذه الاتفاقية بعد ضرب الدوحة ، وما هي الأهداف الحقيقية من التعاون الأمني بين السعودية وباكستان ، ورد فعل أمريكا من هذه الاتفاقية ، وهل ستقوم دول أخري بما قامت به السعودية من التوجه نحو الشراكة والتعاون الأمني الإستراتيجي مع دول نووية ، كل هذا سنعرفه في السطور القادمة مع د هيثم عمران المحلل السياسي الكبير في السطور القادمة وإلى نص الحوار .

 

* ما هو الهدف الحقيقي من توقيع السعودية اتفاقية دفاع مشتركة مع باكستان ؟

يأتي توقيع السعودية اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان في إطار إعادة صياغة التوازنات الأمنية الإقليمية، وتعزيز قدرة الرياض على مواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية في بيئة إقليمية مضطربة .
كما يمكن تلخيص الأهداف في عدة مستويات:
أولا: تعزيز القدرات الدفاعية المشتركة ، فالاتفاقية تتيح للسعودية توظيف الخبرات العسكرية الباكستانية، خاصة في مجالات التدريب، والصناعات الدفاعية، والتقنيات الصاروخية والنووية ذات الاستخدامات السلمية، بما يعزز مناعتها الأمنية.
ثانيا : تنويع الشراكات الأمنية: في ظل اعتماد السعودية تاريخيًا على المظلة الأمنية الأمريكية، حيث تمثل الشراكة مع باكستان خيارًا استراتيجيًا لتنويع مصادر الحماية وتقليل الاعتماد على طرف واحد ، خصوصًا مع التحولات في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.
ثالثا : البعد الإقليمي والردع: فالاتفاقية ترسل رسالة ردع إلى الخصوم الإقليميين، لاسيما إيران، بأن السعودية تمتلك شبكة واسعة من الحلفاء العسكريين القادرين على التدخل الفعلي عند الحاجة.
رابعا : التكامل مع الرؤية السعودية 2030: من خلال تعزيز الصناعات العسكرية المشتركة وتوطين بعض القدرات الدفاعية، ما يساهم في نقل المعرفة وتوسيع القاعدة التكنولوجية والعسكرية داخل المملكة.

* ولماذا باكستان ؟

اختيار باكستان كشريك دفاعي ليس أمرًا عابرًا، بل يعكس اعتبارات تاريخية واستراتيجية متشابكة:
1. العلاقة التاريخية الوثيقة: تمتد العلاقات السعودية–الباكستانية لعدة عقود، حيث دعمت الرياض الاقتصاد الباكستاني، فيما لعبت إسلام آباد دورًا محوريًا في تدريب الجيش السعودي وإرسال قوات في محطات مختلفة.
2. القدرات العسكرية الباكستانية: تمتلك باكستان جيشًا كبيرًا يتمتع بخبرة قتالية، إضافة إلى كونها القوة النووية الإسلامية الوحيدة، وهو ما يمنحها مكانة خاصة في معادلة الردع الإقليمي.
3. البعد الديني والهوياتي: يجمع البلدين بعد “الأمة الإسلامية”، حيث ترى السعودية في باكستان شريكًا طبيعيًا لحماية قضايا الأمن الإسلامي، خاصة مع وجود تناغم سياسي في المواقف تجاه القضايا الإسلامية الكبرى.
4. التوازن مع الهند: العلاقة السعودية–الباكستانية تمثل كذلك عنصرًا مهمًا في معادلة جنوب آسيا، بما يسمح للرياض بلعب دور مؤثر في التوازن بين الهند (الشريك الاقتصادي المتنامي للسعودية) وباكستان (الحليف العسكري التقليدي).
5. الاعتبارات الجيوسياسية: موقع باكستان الجغرافي، المتاخم لإيران وأفغانستان والصين، يمنح السعودية منفذًا استراتيجيًا للتعاون الدفاعي في بيئة إقليمية معقدة، خاصة مع تقاطع المصالح في قضايا الأمن البحري وممرات الطاقة.

* هل ما حدث للدوحة دفع السعودية لأخذ خطوات استباقيه للحماية ؟

الضربة الإسرائيلية التي استهدفت الدوحة تمثل سابقة خطيرة في بنية الأمن الإقليمي؛ إذ أظهرت أن أي دولة في الخليج ـ حتى تلك التي تحتفظ بعلاقات غير عدائية مباشرة مع إسرائيل ـ قد تكون عرضة لتهديدات عسكرية مباشرة.
هذه الواقعة عمّقت الشعور بعدم اليقين الاستراتيجي، ودفعت العواصم الخليجية إلى التفكير في خطوات استباقية بدلًا من الاقتصار على ردود الفعل.

* وماذا عن الموقف السعودي ؟

من هذا المنظور، يمكن القول إن السعودية قرأت ما حدث للدوحة باعتباره إشارة تحذيرية: وايقنت
1. أن الاعتماد الكامل على الحماية الأمريكية أو الغربية لم يعد مضمونًا.
2. أن إسرائيل باتت تمتلك حرية مناورة واسعة في المنطقة، وهو ما يجعل الحاجة إلى بناء شبكات أمنية بديلة أمرًا عاجلًا.
3. أن أمن الخليج أصبح مترابطًا؛ فأي استهداف لقطر أو غيرها قد تكون له تداعيات مباشرة على الأمن السعودي ذاته.

* ما هي الخطوات الاستباقية التي قامت بها السعودية ؟

توقيع اتفاقيات دفاعية جديدة (مثل اتفاقية الدفاع المشترك مع باكستان) يمكن فهمه كجزء من ردع وقائي يهدف إلى:
• توسيع دائرة الحلفاء العسكريين بما يخلق حالة “تشابك مصالح” يصعّب من استهداف المملكة.
• تعزيز القدرات الدفاعية الذاتية من خلال نقل خبرات وتوطين صناعات عسكرية.
• توجيه رسالة لإسرائيل وإيران على حد سواء بأن السعودية تتحرك استباقيًا لحماية مجالها الحيوي.

* ما هو رد فعل أمريكا من هذه الإتفاقية وخاصة أن باكستان دولة نووية ؟

أبعاد رد الفعل الأمريكي تجاه الاتفاقية السعودية–الباكستانية مع الأخذ في الاعتبار البُعد النووي:

أولًا: المنظور الأمريكي العام

الولايات المتحدة تنظر إلى أي تعاون عسكري بين السعودية وباكستان من زاويتين متداخلتين:
1. الزاوية الأمنية–الاستراتيجية: واشنطن تعتبر نفسها الضامن التقليدي لأمن الخليج منذ عقود، وبالتالي أي تحالف دفاعي خارج المظلة الأمريكية يُقرأ باعتباره إشارة على تراجع النفوذ الأمريكي.
2. الزاوية النووية–الانتشار: باكستان هي القوة النووية الإسلامية الوحيدة، ما يجعل أي تقارب عسكري وثيق بينها وبين السعودية ملفًا حساسًا بالنسبة لواشنطن، خاصة في ضوء القلق الغربي المستمر من انتقال المعرفة النووية أو التكنولوجيا الحساسة إلى الشرق الأوسط.

ثانيًا: دوافع القلق الأمريكي
• خشية من “خيار نووي سعودي”: هناك قناعة قديمة لدى دوائر أمريكية أن السعودية قد تلجأ إلى باكستان كمسار بديل للحصول على مظلة ردع نووية (سواء بشكل مباشر أو عبر “نموذج المشاركة النووية” غير الرسمي).
• تقويض الاحتكار الأمريكي: واشنطن تسعى لإبقاء السعودية ضمن إطار التعاون الدفاعي الأمريكي (اتفاقيات بيع الأسلحة، منظومات الدفاع الجوي، التدريب العسكري)، وأي انفتاح على باكستان يُضعف هذا الاحتكار.
• تأثير على العلاقة مع الهند: أمريكا تراهن على الهند كحليف استراتيجي في مواجهة الصين، وبالتالي أي تقارب سعودي–باكستاني قد يُنظر إليه على أنه عامل يُعقد التوازن الإقليمي في جنوب آسيا.

ثالثًا: طبيعة رد الفعل المتوقع
1. رد دبلوماسي محسوب: واشنطن ستتجنب الصدام المباشر مع الرياض، لكنها قد تُمارس ضغوطًا غير معلنة للتأكد من أن الاتفاقية لا تشمل أي تعاون نووي أو نقل للتكنولوجيا الحساسة.
2. إعادة تعزيز الشراكة: من المحتمل أن تسرّع أمريكا مفاوضاتها مع السعودية حول اتفاقية أمنية/نووية مدنية (كما حدث في محادثات 2023–2024) لضمان إبقاء الرياض في الفلك الأمريكي.
3. رسائل مزدوجة: واشنطن قد ترحب بالتعاون السعودي–الباكستاني في حدود محاربة الإرهاب أو التدريب العسكري التقليدي، لكنها ستُبدي تحفظًا علنيًا وقلقًا غير معلن من أي شبهة تعاون نووي.

* هل تتوقع أن تقوم بعض الدولة باتفاقيات تعاون للحماية كما فعلت السعودية ؟

البيئة الأمنية في الشرق الأوسط والخليج تمر بمرحلة إعادة تشكّل بعد :
• الضربة الإسرائيلية للدوحة التي كشفت هشاشة الردع التقليدي.
• التردد الأمريكي في التدخل العسكري المباشر كما في السابق.
• صعود قوى بديلة (الصين، روسيا، تركيا، باكستان) تعرض نفسها كمزود للحماية أو الشراكة الدفاعية.

هذا يجعل اتفاقية السعودية–و باكستان نموذجًا محفّزًا قد تلجأ إليه دول أخرى.

* ما هي الدول الأكثر ترجيحًا للإقدام على خطوات مشابهة ؟

1. الإمارات

• تمتلك علاقات أمنية واسعة مع فرنسا والهند.
• قد تتجه لتوقيع اتفاقيات دفاعية “ثنائية متوازية” لضمان الردع المتعدد.

2. قطر

• بعد استهدافها عسكريًا، قد تبحث عن شبكة حماية إضافية بجانب القاعدة الأمريكية في العديد، وربما تعزز تعاونها الدفاعي مع تركيا أو باكستان.

3. الكويت وعُمان

• بسبب موقعهما الحساس، قد تفضلان اتفاقيات “دفاع وقائي” مع قوى متوسطة (تركيا، بريطانيا) لضمان التوازن.

4. مصر والأردن

• قد لا تحتاجان اتفاقيات “حماية مباشرة”، لكنهما قد يعيدان تفعيل شراكات دفاعية إقليمية مع الخليج مقابل الدعم الاقتصادي، خاصة إذا تصاعدت التهديدات الإسرائيلية أو الإيرانية.

* ما هي طبيعة هذه الاتفاقيات المتوقعة ؟

تحالفات ثنائية مرنة وليست “أحلافًا جماعية” على غرار الناتو.
• تركيز على التدريب العسكري، تبادل المعلومات، الصناعات الدفاعية المشتركة أكثر من الالتزام العسكري المباشر.
• إدراج “خطوط حمراء” لتجنب استفزاز مباشر لإسرائيل أو واشنطن.

وفي النهاية نستطيع أن نقول نعم، من المرجح أن تقوم بعض الدول الخليجية والعربية باتفاقيات تعاون دفاعي شبيهة بالخطوة السعودية، لكن بدرجات متفاوتة: بعضها للحماية الفعلية (كقطر والإمارات)، وبعضها للمكاسب السياسية والاقتصادية (كمصر والأردن). وبذلك قد نشهد خلال السنوات القادمة شبكة تحالفات دفاعية متقاطعة تخرج من رحم هذه اللحظة الحرجة، كبديل عن الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة.

هيثم عمران
Comments (0)
Add Comment