دراسات عميقة وجمارك الهاتف
دراسات عميقة و”جمارك الهاتف”
بقلم د يسري الشرقاوي مستشار الإستثمار الدولي ورئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة
▪️▪️مما لاشكَ فيه فإن المتابع الجيد ، يرى أن عدداً كبيراً من القرارات والقوانين لا تتم دراستها بشكل عميق وتحتاج لمراجعات ومنها على سبيل المثال لا الحصر ” التسجيل العقاري – مخالفات البناء – سيارة المصريين بالخارج … إلخ “، الأمر الذي عكس بشكل واضح أن حالة الإستقرار التشريعي غير متوفرة مما يؤثر سلباً على شرائح المجتمع سواءً في الإستثمار أو التجارة وحتى بالنسبة للمواطن العادي ،مما يؤدي إلى حالة إرباك في المشهد بوجه عام.
▪️▪️▪️مؤخراً ، أعلنت الحكومة عن جمارك على أجهزة الهاتف المحمول ، وربما إتفق تماماً على ضرورة مواجهة حالات التهرب، والحفاظ على الحصيلة الجمركية وحماية التصنيع المحلي ولعلي أشدد على مواجهة ظاهرة التهريب “بشكل عام” إن أمكن ،، لكن كنت أتمنى أن يتم عمل دراسة متأنية عميقة قبل تنفيذ القرار تُراعي أبعاد كثيرة حتى يخرج القرار مكتمل الجوانب والأركان ناضجاً بحيث تكون هناك قابلية مُطلقة في تنفيذه وتتلخص هذه الأبعاد في الآتي:-
١- “شريحة المصريين بالخارج” – المصريين الذين يعملون بالخارج ولديهم اقامات ثبوتية مرت عليها أكثر من عام ، ويساهمون في تحقيق الحصيلة الدولارية من التحويلات التي نسعى بكل جد وجهد لكي تصل إلى٣٥ مليار دولار بنهاية عام ٢٠٢٥ ، كان لابُد وحتماً أن يُسمح لكل مصري قادم من الخارج حتى ولو أثناء أجازته بهاتف مجاني ربما لوالدته أو إبنه أو بنته أو زوجته ، وحتى لو كان قد أمضي سنوات عمره ومعه جهاز أو إتنين وعودته نهائية ، كل ذلك كان بالإمكان “تشريحه” لشرائح وربطه أيضاً بنسب التحويلات السنوية لزيادة وتشجيع زيادة الحصيلة الدولارية وكل ذلك قد أصبح بالإمكان إثباته إلكترونياً ورفعه على موقع التسجيل والإعفاء إلكترونياً بشكل سهل ومُيسر تماماً ومُحكم ، بدلاً من الإستسهال وأخذ قرار على الجميع قد يأتي بحصيلة جمركية ويؤثر سلباً في الحصيلة الدولارية وقد لا يتسق ويتماشى مع دعم الدولة لأبناء مصر في الخارج.
٢- كنت أتمنى أن يتم مراعاة الرسوم التدريجية ،ومبدأ التدرّج هو مبدأ تحفيزي يحمل في طيّاته وآلياته العديد من المزايا ،، كان بالإمكان أن يٌعفي الشخص من جهاز محمول مرة واحدة لمدة عام بدلاً من ٣ أعوام ” لأنها مدة طويلة في عالم حداثة التكنولوجيا” التي وصلت الأجيال فيها إلى ٤٥ يوم فقط ثم يظهر جيل جديد، ثم يتم فرض جمرك يعادل ٨٪ فقط على أي جهاز ثاني ،، ثم ٢٠٪ على الجهاز الثالث ثم ٣٧,٥٪ على أي جهاز يزيد عن ذلك وهي مرحلة التجارة وهذا كان سيُحقق الغرض تماماً ويتفق مع العدالة الإجتماعية، ويتماشى مع توجه القيادة السياسية التي تحثنا دوماً على التواصل والإهتمام ببرامج الذكاء الإصطناعي والبرمجيات وتعلم التكنولوجيا والإرتباط بالإقتصاد الرقمي والشمول المالي والتعامل الذكي وهذا لن يتحقق إلاّ بتوافر أجهزة متطورة مع عدد كبير وشريحة كبرى في المجتمع.
٣- أتفهم أن هناك مصانع لإنتاج أجهزة المحمول كما أٌعلن أمس أن هناك ٥ مصانع ، لكن السؤال هنا : “ما هي أنواع الأجهزة التي تنتجها هذه المصانع ؟ وأين تُباع ؟ وهل تُصدّر إنتاجها إلى أسواق أخرى وتُسدد رسوم جمركية على الصادرات؟ أم معفاه ؟ هل هناك دراسات أو إحصائيات تبين نوعية الأجهزة المهرّبة أو عددها وهل هي ذات النوعيات المنتجة في مصر أم مختلفة ؟ وكيف نعمل تكنولوجياً على سد هذه الفجوة ؟ مع أن معلوماتي تؤكد أن أسعار الأجهزة المحمولة هي أسعار عالمية وفقاً للنوع والصنف والموديل حتى وإن كانت تُباع في بلد المنشأ،، والصين أكبر مُصنّع للأجهزة المحمولة والأسعار عالمية داخل الصين، لذا فأتصور ان هذا الأمر يحتاج مراجعة.
٤- أتصور أن الموقع أو “تليفوني” يحتاج قليلاً من التكامل مع مواقع الدفع الإلكتروني الأخرى مثل ” إنستاباي” التي أصبحت تستقبل كل تحويلات المصريين بالخارج وبهذا يمكن من تحقيق الهدف من البُعد الأول الذي ذكرته أعلاه ، وأيضاً يمكن تحقيق هدف آخر وهو أن يتم من خلاله سداد الرسوم والمخالصة عن بُعد وهكذا تكون الخدمة سهلة وميسرة على الجميع.
٥-في بعض “الدول الجاذبة”.. للإستثمار، وهناك بعض الشركات الإستثمارية تحتاج لأجهزة المحمول في أعمالها بصفة أساسية، فكيف لمستثمر لديه إحتياج ل ٢٠ جهاز محمول لعشرين مدير أو موظف يستخدم المحمول لأداء عمله أن يسدد ٩٠٠ الف جنيه إلى مليون جنيه جمارك على أجهزة محمولة !!،،هذا البُعد كان يحتاج إلى مراعاة وتشريح وتوصيف حتى لا يخدم هذا القرار الحصيلة الضريبية والجمركية وحتى لا يؤثر في عمليات جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة والتي نقدم فيها كل الحوافز والتسهيلات لزيادة وتحقيق نسب معدلات من جذب الإستثمارات الأجنبية .
٦- مع إنخفاض أسعار العملة المحلية أمام الدولار ، وفي ظل حاجة الدولة للحصيلة الدولارية هل كان بالإمكان تدشين فكرة التبرع من كافة المصريين المقيمين فقط بالخارج عبر “إنستاباي ” بسداد ١٠ دولارات شهري أو ١٠٠ دولار سنوياً مقابل إعفاء لجهازين محمولين أحدهما شخصي والآخر هدية مرة بالعام ،، وبهذا يمكن أن تحقق ملايين الدولارات بشكل أفضل بكثير بجيث تكون المنفعة متبادلة.
▪️▪️في تصوري أن هناك أبعاد كثيرة ، ونسب مختلفة ، وشرائح متنوعة كان يمكن إستخدامها وتنفيذها ، إلاّ أن الثابت في المشهد أن الكثير من القرارات ربما تٌتخذ دون عناية تامة ودراسات مستفيضة ودمج للأفكار التسويقية من الواقع التطبيقي مع الأفكار الإدارية ، تشعرنا بعض القرارات أنها تخرج من مكاتب حكومية بعيدة عن التطبيق الواقعي الذي يمكن أن يُوظف توظيفاً جيداً فيخرج القرار بشكل جيد ويلقي كامل الترحيب من كافة الجهات وبالتالي يَسهُل تطبيقه.